سرقة خزينة مديرية أمن الإسكندرية لا يجب أن ننظر إليها بمعزل عن الوضع الشرطى ككل، هى قبل كل شىء كحوادث الشرطة الفردية تماماً، لا جدال فى ذلك، كان هناك مؤخراً ضابط الشرطة الذى قاد عصابة للسرقات، بالإسكندرية أيضاً، هناك فى كل المحافظات من الحوادث الشرطية الفردية ما تقشعر له الأبدان، سرقة، نصب، تجارة مخدرات، تعاطٍ، تجارة آثار، رشوة، استخدام السلاح الميرى فى نزاعات شخصية، يمكن أن تكون قد ارتفعت النسبة بعض الشىء، يمكن أن تكون قد نالت اهتماماً كبيراً لدى الرأى العام، فى الآونة الأخيرة، نتيجة تطور وسائل الاتصال، وظهور مواقع التواصل الاجتماعى.
كل ذلك يمكن التعامل معه، واعتباره فى إطار المحسوبية، والمجاملات، وربما الفساد، فى بداية الالتحاق بالكليات الشرطية، أو إهمالها إلى الحد الذى أضر فيما بعد بالمنظومة ككل، يمكن النظر إليه فى إطار تراجع عمليات الضبط والربط داخل المؤسسات الشرطية، يمكن النظر إليه على أنه يأتى فى إطار عملية الاهتراء العام، التى أصابت المجتمع ككل، خلال السنوات الست الأخيرة، يمكن النظر إليه فى إطار تراجع منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع أيضاً.
هناك من المبررات الكثير، ومن الملاحظات الكثير أيضاً، إلا أن الملاحظة التى أتوقف أمامها دائماً وأبداً هى تلك المتعلقة بإصدار رجل الشرطة تعليمات تخالف القانون، أو تنفيذ رجل الشرطة تعليمات تخالف القانون، حتى لو كانت صادرة من القيادة الأعلى مباشرة، أو حتى من الوزير شخصياً، وهو الأمر الذى جعل الشرطة فى كل الأحوال تحمل على عاتقها أزمات المجتمع بكل ما تحمل من خطايا تتعلق بحقوق الإنسان، أو تنال من رصيد الدولة خارجياً.
مثال ذلك هو المتعلق بانتخابات ما، برلمانية كانت أو غيرها، بالتأكيد شاهدنا جميعاً رجل الشرطة ذات يوم وهو يمنع ناخبين بعينهم من الوصول إلى لجان الانتخابات، لحساب مرشح محدد، أو للحد من قوة مرشح آخر، رأينا الشرطة وهى تقوم بتسويد بطاقات انتخابية، أو تساعد على ذلك، رأينا الشرطة وهى تعتقل قبيل الانتخابات أشخاصاً بعينهم، من أنصار بعض المرشحين، فى إطار محاولات تحجيم هؤلاء، رأينا الشرطة وهى تسعى لإعلان نتائج غير تلك الحقيقية.
الأهم من ذلك، والأسوأ فى الوقت نفسه، هو المتعلق بالتعذيب، إما انتزاعاً لاعتراف، أو تنكيلاً بهذا أو ذاك، رأينا فيديو مؤخراً لأحد رجال الشرطة، وهو يهرول منسحباً من قاعة المحكمة، فى قضية مقتل النائب العام السابق، حينما أشار إليه أحد الطلاب المتهمين بأن هذا هو الذى يقوم بتعذيبنا لانتزاع الاعترافات، خرج من القاعة مسرعاً، قبل أن يفكر رئيس الدائرة فى استدعائه، أو حتى الاستماع إليه، وسط صيحات الحضور واستهجانهم، مما أثار الهرج والمرج داخل قاعة المحكمة.
مصر للأسف، لها باع طويل فى هذا المجال، المتعلق بالتعذيب، حتى الموت أحياناً، للشرطة المصرية صولات وجولات فى انتزاع الاعترافات، أو حتى إلصاقها بأبرياء فى بعض الأحيان، وهو الأمر الذى كان يجب أن نتوقف أمامه، من عدة وجوه، أراها على قدر كبير من الأهمية، بعد تكرار حوادث وفاة، أو قتل المتهمين داخل الحجز بقسم الشرطة، أو داخل السجن، إما بفعل فاعل، أو نتيجة التضييق على المتهم، أو إهمال رعايته صحياً، وهو الأمر الذى صاحب أحداث 25 يناير 2011 بقوة، حتى إن بعض المؤرخين قد ذهبوا إلى حد أن هذه الأحداث بكل ملابساتها لم تكن تبغى فى البداية سوى إصلاح أحوال الشرطة، وأن كل المطالب الأخرى التى رافقت هذه الأحداث جاءت متأخرة فيما بعد.
كل ذلك وغيره يجعلنا نطرح السؤال المهم، وهو: هل يجب على جهاز الشرطة تنفيذ تعليمات الدولة الرسمية، حتى لو كانت تخالف القانون، وهل يجب على ضابط الشرطة تنفيذ تعليمات وأوامر قيادته العليا، حتى لو كانت أيضاً لا تتوافق مع القانون- مع الأخذ فى الاعتبار أن الجزء الأكبر من دراسة رجل الشرطة هو ذلك المتعلق بالقانون، واحترام القانون، وحقوق الإنسان، واحترام حقوق الإنسان، إلى غير ذلك من دراسات، تسير بالتوازى مع المواد الشرطية، التى لا تبتعد أيضاً عن القانون فى معظم الحالات؟.
ما المطلوب إذن، كى يعى ضابط الشرطة أن وجوده فى هذا المكان أو ذلك المجال، الهدف الأول والأخير منه هو تنفيذ وتطبيق القانون، حتى لو كان ذلك على غير رغبة أعلى سلطة فى الدولة، هل هناك فى القانون ما يمنح ضابط الشرطة ذلك الحق، وهو العمل فى إطار القانون، ولا أحد غيره، أياً كانت التعليمات الفوقية، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يتمسك رجال الشرطة دائماً وأبداً بتنفيذ القانون، أما إذا كان القانون مشاعاً، أو ينطلق من عبارات مطاطية، فلماذا لا يتم تعديله، فى إطار المتغيرات الحاصلة فى المجتمع، وفى العالم ككل، لماذا لا تُضاف مواد تتعلق بذلك صوناً للمجتمع من الاستمرار فى ارتكاب مزيد من الآثام؟.
باعتراف الشرفاء من ذلك الجهاز المهم فى حياتنا، هناك أوجه قصور عديدة بين أفراده، فى حاجة إلى إعادة نظر، خاصة بعد أن تحولت الحالات الفردية إلى ظاهرة أضرت بالشرفاء، الذين مازالوا يرفعون راية العدل، ويكفى فى هذا الإطار أنهم هم الذين يوقعون بزملائهم المنحرفين عن الطريق القويم.. أتمنى أن تكون سرقة خزينة مديرية أمن الإسكندرية حافزاً لإصلاحات واسعة.