عباس الطرابيلى
صفقة طائرات الرئاسة.. والسم فى العسل
من كل قلبى، وعقلى، أتمنى أن يكون هذا الخبر عارياً من الصحة.. أى خبر باطنه يحمل ناراً تدمر أى محاولة لإصلاح أحوالنا.. ولا أدرى لماذا هذا الصمت الرسمى الذى أراه مريباً.. بل قاتلاً.. وأرى هذا الخبر، فى هذا التوقيت بالذات، محركاً لكثير من دعاوى الهدم وتقطيع تلك العلاقة غير العادية بين الشعب ورئاسته.. لأنها تطال أكبر مسؤول فى الدولة، يكن له الشعب الحب والولاء.. لأنه- فعلاً- رمز للولاء للوطن.. كنا ننتظره منذ زمن.
ذلك هو خبر تعاقد مصر على شراء 4 طائرات فخمة، تخصص لرئاسة الدولة، قيمتها تتعدى المليار جنيه.. فلماذا.. وفى هذا التوقيت بالذات.. والخبر نشرته صحيفة فرنسية كبيرة.. يقول إن مصر تعاقدت مع شركة داسو الفرنسية على شراء هذه الطائرات، وهى من طراز فالكون 7 إكس لتنقلات الرئيس، ولأن صحيفة لاتربيون من أكبر الصحف الفرنسية كان يجب أن يخرج المتحدث الرسمى باسم الرئاسة ليقول لنا الحقيقة.. قبل أن تستغلها أكثر من جهة لتدمير العلاقة بين الرئيس وشعبه.. خصوصاً أن توقيت إعلان الخبر- إن صح- غاية فى الخطورة.. وأغلب الظن أن هناك بالفعل من أخذ يستغل هذا الخبر.
ففى الوقت الذى بدأت فيه الحكومة تنفيذ خطة واسعة للحد من الدعم الذى تقدمه الدولة للشعب.. وتطالب فيه الشعب بأن يشد الحزام ويتقبل هذه القرارات التى تمس كل بيت، بداية من فاتورة الكهرباء وثمن تذكرة المترو، إلى العديد من السلع الحيوية.. فى هذا الوقت يجىء خبر شراء هذه الطائرات.. ونحن لا نناقش هنا أهمية تأمين تحركات رئيس الجمهورية وكبار مسؤولى الدولة، ليس لأن مؤسسة الرئاسة تمتلك أسطولاً كبيراً من طائرات مخصصة لهذه التحركات.. ولكن لأن هناك ما هو أهم من شراء هذه الطائرات.. ولكن حتى لا تصبح مصر مثلاً للإسراف المؤذى، فالشعب يئن ويتألم.. ويشكو.. ثم نجد هذا السلوك الإسرافى المرفوض، إن صحت هذه الواقعة.
وهذه الواقعة تذكرنى- بكل ملابساتها- بما حدث فى أواخر الأربعينيات إذ كانت نفقات القصر الملكى تستفز الشعب.. فالملك- ومعه كل حاشيته- كان يسافر كل عام إلى الريفيرا الفرنسية والإيطالية وبالذات إلى كابرى ومونت كارلو ليلهو وينفق بكل بذخ على رحلاته هذه.. بينما الشعب يعانى من نقص شديد فى الخدمات الأساسية.
هنا أطلق شيخ الأزهر الشريف صرخته العالية محتجاً وقائلاً: «تقتير هنا.. وإسراف هناك» وهزت هذه الصرخة عرش الملك فاروق بشدة، لأن معناها كان واضحاً: فالشعب فى الداخل كان يعانى.. بينما الملك ينفق ويسرف على الأجانب هناك فى أوروبا.. وقامت قيامة الحكومة.. والقصر الملكى، الآن: هل تتكرر الحكاية بين دعوة للتقشف وشد الحزام.. وبين استمرار الإسراف الرسمى.
بل: هل يعرف الرئيس السيسى هذه الحكاية، بكل أبعادها وكل تداعياتها الخطيرة.. وهل لم يعد بين أسطول طائرات الرئاسة، ما يصلح لتنقلات الرئيس والحكومة، فى الداخل والخارج.. أم أن هناك من يدفع ثمن هذه الطائرات الجديدة من الأشقاء العرب، أم هى هدية من شركة داسو الفرنسية المصنعة لها وهى الشركة التى تعاقدنا معها على شراء طائرات الرافال الفرنسية العسكرية.. بسبب ما يقال من أن هذه الصفقة العسكرية أنقذت شركة داسو بسبب ما يقال عن ارتفاع سعر هذه الطائرات العسكرية؟!.
■ ■ هذه الحكايات تذكرنى بواقعة حدثت عقب حرب 1973، إذ فى جلسة جمعت الرئيس السادات والشيخ زايد بن سلطان فى أبوظبى قال الشيخ زايد- عليه رحمة الله- إن مصر ليس لديها طائرات مدنية تهبط فى مطارات دولة الإمارات.. ورد الرئيس السادات: ولكن ماذا أفعل وليس عندى ما يكفى لشراء طائرات لدعم أسطول مصر للطيران. هنا أعلن الشيخ زايد تبرعه بثمن صفقة طائرات مدنية حتى تتمكن شركة مصر للطيران من هبوطها فى مطارات الإمارات.. وتنافس أكثر من شخص على إتمام هذه الصفقة- طمعاً فى العمولة المتوقعة، وكان بين هؤلاء مصريون كبار- فى مؤسسة الرئاسة المصرية- ودبلوماسى كبير فى دولة الإمارات- أحتفظ لنفسى بأسمائهم- وتمت الصفقة.. واحتفظت مؤسسة رئاسة الجمهورية فى مصر بطائرة منها لاستخدامها فى تنقلات الرئاسة.. وضمت الباقى إلى أسطول مصر للطيران، وأخذت طائراتنا المدنية تهبط فى مطارات أبوظبى ودبى والشارقة والعين ورأس الخيمة.
■ ■ إن الصمت الرسمى تجاه خبر طائرات الرئاسة الجديدة.. شديد الضرر.. ومن المؤكد أن هناك من يغذيه بإضافات من عنده.. بهدف الصيد فى الماء العكر، الذى يتواجد الآن على الساحة المصرية.. ولابد من إعلان واضح.. مهما كان الثمن.. حتى ولو كان الخبر صحيحاً، ولكن من المفيد أن يعرف الشعب الحقيقة.. وبسرعة، على الأقل حتى يتقبل الناس أى زيادات فى أسعار الخدمات.. وفى هذا التوقيت الخطير بالذات.
■ ■ هذا أو نجد من يردد من جديد مقولة شيخ الأزهر قديماً: تقتير هنا.. وإسراف هناك.. فما أخطر ما يحدث إذا استمر هذا الصمت، وقولوا للناس الحقيقة.. أم أن الحقيقة فيها ما يؤلم ويسىء.. ومن الذى يسىء؟!.