الوفد
علاء عريبى
فى بيت الله الحرام
معظم من التقيت بهم أو استمعت إليهم أكدوا لي أن مشاعرهم فى المدينة المنورة أكثر طمأنينة وسكينة عن إحساسهم فى مكة المكرمة، وقالوا لي إن فى مكة خشونة وفى المدينة سلام، حتى المشاعر الدينية تختلف بين المدينتين، هذه الكلمات أكتبها صباح الجمعة أمام شرفة تطل على الحرم المكي، متع الله جميع المسلمين بهذه الزيارة.

منذ عدة شهور كنت أتلقى علاجا، وقررت بعد انتهاء «كورس» العلاج أن أغادر إلى بيت الله، أشكره على نعمته، نصحت بأن أرجئ الرحلة إلى حين إجراء الفحوصات المطلوبة والاطمئنان على نتائج العلاج، لكنني لم أستمع للنصيحة.
قبل ست سنوات كانت أول مواجهة لى مع بيت الله، فقد سافرت ضمن حج القرعة، وكانت تكلفة الفرد أيامها حوالي 18 ألف جنيه، استقبلنى أنا وزوجتى الزميل والصديق محمد عبد النبى، واصطحبنا إلى الكعبة لكى نؤدى فريضة العمرة، شاهدت آلافا من المسلمين يحملون جنسيات مختلفة، يتضرعون ويبكون، وزجتى شاركتهم البكاء، طفت وسعيت وحلقت وبدلت ملابس الإحرام، وجلست أفكر: لماذا لا أبكى مثلهم؟، لماذا لم أتعاطف مع المشهد؟، لماذا لم أشعر بروحانيات المكان؟، يومها قلقت وحزنت خوفا من أن يكون سبحانه وتعالى لم يستقبلنى، ولن يقبل منى حجتى، وحاولت أن أفسر مشاعرى هذه، ربما لأننى ضعيف الإيمان، ربما لأننى قد أسرفت على نفسى، ربما لأننى لم أكن مستعدا لأداء المناسك أو لملاقاة الله عز وجل، بالإضافة إلى دراستى للفلسفة، أظنها قد خربت ذهنى، حكمت عقلى، وأكثرت من الأسئلة، وجففت مشاعرى، لكنى اكتشفت بعد فترة أننى اتعاطف مع المشاهد المؤثرة فى الحياة وفى الأعمال الفنية، فكيف لا اتعاطف مع بيت الله.
فى المدينة هممت بالدخول إلى ساحة الحرم النبوى، فجأة شعرت بصدمة ورهبة وقشعريرة، احساسى بالله وجلالته وعظمته ومغفرته وحكمته هنا أكثر من مكة، لماذا؟، الله أعلم.
في القاهرة خفت أن أصارح بعض الأصدقاء بمشاعري يصدمني بتحليل يقلقني، فيجزم أن الله لم يتقبل منى، أو انه جعلني أذهب إلي بيته لكي اكتشف ضعف إيماني وإسرافي على نفسي، وخشيت أكثر من أن يتهمني بعدم الإيمان.
فى جلسة جمعتني بالبعض فتح أحد الأصدقاء سيرة مكة وبيت الله، وذكرنا بمقولة سيدنا عمر بن الخطاب وهو يقبل الحجر الأسود: لولا الرسول قام بتقبيلك ما قبلتك، وقال بعضهم: كان(سيدنا عمر) يمثل العقل، ونزعته العقلية تعلو على مشاعره، واتفقنا فى الجلسة أن البعض منا تتحكم فيه نزعته العقلية أكثر من العاطفية، ورغم أن هذه الجلسة منحتني مبررا لمشاعري مع الكعبة، إلا أنها لم تطمئن القلق الذي انتابني.
عندما وصلت هذه المرة زاد خوفي جدا وقلقي أن أكرر علامات الاستفهام، وأخرج بنفس الهواجس والظنون المعلقة فى «ربما»، خلال طوافي حول البيت العتيق، استمعت لتضرع وبكاء بعض الرجال والنساء والفتيات، بكيت لبكائهم وتضرعت لله عز وجل ان يستجيب لهم ولنا.
أمام الشرفة المطلة على الحرم استدعيت «ربما» وكررت علامات الاستفهام، وفوجئت أن ما كان يقف بينى وبين هذا البيت، أننى خلطت بين بيت يسكن فيه الله وبين بيت يمتلكه أو يرمز إلى الله، فهذا البيت يمتلكه الله ولا يسكن فيه، فالله غير محدود وغير مجسم ولا مشيأ، والله عز وجل طلب منا أن نؤدي فريضة بمناسك اتفق عليها، الغرض منها أن نستحضر عظمة الله وقدرته ورحمته لكى نشكره ونلتمس مغفرته ورحمته، وليس لكي نخاطب الذي يسكن داخل هذا البيت، وللحديث بقية.



تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف