المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
العـبث بالمـساجد
بصراحة، لم أعد أفهم سر ذلك الموقف الغامض تجاه المساجد، من الشيخ محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، البعض يراه عدائياً، والبعض الآخر يراه مجرد سوء تخطيط، على الرغم من أن سبب وجود الرجل وزيراً هو المساجد، أو وجود المساجد، تارة يسعى إلى إفراغها من مضمونها بالعبث فى خطبة الجمعة، التى أثار من خلالها أزمة مجتمعية ودينية، خرج منها خاسراً ومتراجعاً، ولم يستفد فى هذا الشأن من تجربة هؤلاء الذين أثاروا فى الماضى أزمة ما سُمى «الأذان الموحد» من قبل، وكأنها أزمات افتُعلت فى توقيتات محددة لأهداف محددة أيضاً.

الرجل ما يلبث أن ينتهى من أزمة، حتى يدخل بالمجتمع فى أخرى، الجديد هو توجيهاته بعدم ضم أى مسجد للأوقاف، إلا بعد إضافة بند (على ألا تتحمل الوزارة دفع أى فواتير للكهرباء والمياه، ويلتزم الأهالى بدفع هذه الفواتير)، بالتأكيد هو يعى حجم معاناة المواطن الآن، من كل الوجوه، مع فواتير الكهرباء، والمياه، والغاز، والهاتف، والقمامة، والصحة، والتعليم، والمواصلات، والغذاء، والكساء، إلى غير ذلك من قائمة طويلة، مع ارتفاع الأسعار، ورسوم الطرق، والتقاضى، والضرائب المُضافة، أُضيف إليها فى الآونة الأخيرة، صبّح على مصر، ومسّى على الإسكندرية، واتبرعوا لجامعة زويل، ومعاهد القلب، والسرطان، والأطفال، والمسنين، وما هو آت.

أيضاً الرجل يدرك أن هذه الإجراءات سوف تفضى حتماً إلى قطع المياه عن المساجد، أو قطع الكهرباء، أو هما معاً، هو يعلم معنى وجود مسجد بلا مياه، أو حتى كهرباء، إذا كان ذلك هو الهدف النهائى الذى يسعى إليه، إذن ما هى الوجهة النهائية التى سوف تذهب إليها أموال الأوقاف، ما هو الهدف من المزادات اليومية لبيع أملاك الأوقاف بالملايين، ما هو الهدف من كل هذه الاستثمارات فى كل المحافظات، ما هو الهدف من الوقف الخيرى عموماً؟

أعتقد أيضاً أن الرجل يطرح معركة أخرى خاسرة من كل الوجوه، فلا المواطن سوف يقبل بحدوث ذلك، ولا الدولة على المستوى الرسمى يمكن أن تتحمل غضب المواطن فى هذا الشأن تحديداً، الذى يندرج، بلا أى شك، تحت قاعدة (يحاربون الله ورسوله)، وهو الأمر الذى يشير إلى أننا أمام قرارات عشوائية، لم تخضع لأى دراسات من أى نوع، وهو ما يؤكد أنه قد آن الأوان لفصل الجانب الدعوى، عن ذلك الجانب المتعلق بأعمال المقاولات والمناقصات، لتحقيق مبدأ الاستقرار فى أحد أهم الجوانب التى عانت من القلق، وصناعة الأزمات الواحدة تلو الأخرى.

بالتأكيد هذا التوجه من الوزير يجب أن تستتبعه قرارات لاحقة، بتحديد رسوم يتم تحصيلها من المواطن مع كل صلاة، لضمان جمع قيمة فواتير المياه والكهرباء، وقد يتضمن ذلك تسعيرة مختلفة لكل مسجد عن الآخر، بمعنى أن المسجد الذى يستخدم المراوح، ليس بالتأكيد مثل ذلك الذى يستخدم أجهزة تكييف، كما أن تسعيرة كل صلاة سوف تختلف أيضاً عن الأخرى، بمعنى أن رسم صلاة الفجر سوف يختلف بالضرورة عن صلاة الظهر، عنه بالنسبة لصلاة الجمعة وهكذا، ما بالنا بصلاة الجنازة، أو حتى صلاة العيد، وفى هذه الحالة يجب التفريق بين من سيستغل المسجد، فى صلاة السُنّة أيضاً، أم أن صلاة الفرض سوف تصبح مجردة، توفيراً لاستهلاك الكهرباء، الذى يجب أن يسرع المواطن إلى الشارع بمجرد انتهائها، دون ختم الصلاة بالتأكيد.

يجب أن نعترف أننا على أبواب كوميديا، تتناسب مع مرحلة شبه الدولة بالفعل، والتى يأبى بعض الوزراء عدم الخروج منها إلى آفاق أخرى أكثر جدية، وإن خرجوا فإلى الدراما، التى أشارت إليها صحيفة «المصرى اليوم» نقلاً عن مصادر الوزارة، بأن قرارات الوزير تضمنت الفصل بين ما هو ضم دعوى للمساجد، وما هو كُلى، بمعنى أن الأوقاف تقوم فقط بتوفير خطباء لصلاة الجمعة بالنسبة للأولى، بينما تلتزم بتوفير العمال والأئمة ومقيمى الشعائر للثانية.

على أى حال، ما يدركه وزير الأوقاف جيداً هو أن المواطنين فى كل أقاليم مصر تجمع بينهم الرغبة فى عدم خضوع مساجدهم للأوقاف، الأمر الذى يعتبرونه بمثابة «وقف حال» للمسجد، بدءاً من مواعيد الفتح والإغلاق، وانتهاء بإجبارهم على سماع هذا الخطيب، أو الصلاة خلف ذلك الإمام، وإن حدث ولجأ هؤلاء أو أولئك للأوقاف، فذلك للاستفادة من تعيين العمالة فقط لا غير، ويمكن القول إنه مع هذه السياسات الجديدة للوزير، وامتناعه عن تعيين العمالة بالمساجد، سوف يسعى الجميع إلى الخروج من عباءة الأوقاف، إلا أنه لا الوزير، ولا أى أحد آخر، يستطيع تحمل تبعات ذلك، والأسباب فى ذلك واضحة، أمنياً وسياسياً.

كل ما نأمل فيه هو أن يعيد الوزير النظر فى هذه السياسات من كل جوانبها، أملا فى العودة بالأوقاف إلى سابق عهدنا بها، من قرارات متوازنة، نالت حقها من الدراسات المستفيضة، خاصة أن الأموال التى يبخل بها الوزير عن المساجد، هى مال المساجد الخاص، لا فضل لميزانية الدولة عليه من قريب أو بعيد، أما إذا كانت هناك حاجة فى نفس يعقوب، وأن الوزير مجرد أداة للتنفيذ، فنحن كمن يحرث فى الماء، إلا أننا لا يجب أن ننسى أبداً أن الله (خير الماكرين).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف