الأخبار
يوسف القعيد
كيف نستعيد ما فاتنا؟
كنت آخر الواصلين. لأن شوارع القاهرة توشك أن تكون جراجات متحركة. والمشوار الذي يستغرق دقائق يمكن أن تصل لساعات. وأنت معتقل داخل سيارة لا تستطيع أن تتحرك لا إلي الأمام ولا الخلف. وانصرفت قبل انتهاء اللقاء المهم بسبب عارض صحي طارئ. وخجلت من نفسي طوال طريق العودة في ليل القاهرة التي تعلن عن نفسها فيه بكل حرية.
كان الصديق عادل دربالة قد اتصل بي مبلغاً دعوة صديقنا الهُمام ياسر رزق، الذي قدم مثالاً شديد الندرة لفكرة الالتزام بالعمل مهما كانت الظروف الخاصة. يومها تعرض نجل ياسر رزق لحادث سيارة كبير. ومع هذا ترك ابنه وما جري في الحادث ليكون في استقبال ضيوف أخبار اليوم من المثقفين. كانت الدعوة لحضور لقاء الإبداع المصري الذي يعد استكمالاً للقاءات عقدت منذ أكثر من عام مضي، وانتهت بمؤتمر كبير اتخذ عدداً من التوصيات المهمة. ولأننا انشغلنا فترة ليست قصيرة عن المؤتمر وما جري فيه، كنت أتمني لحظة الدخول أن توزع علينا التوصيات المهمة التي اتخذت قبل أكثر من عام مضي.
أربكني كثيراً جداً الإصرار علي أن أجلس علي المنصة - وما أدراك ما المنصة - فلم أتعود هذا من قبل. بل إنني أجد سعادتي عندما أجلس في الصفوف الخلفية، آخر الصفوف من الخلف، لأن هذا يمكنني من رؤية المشهد كاملاً. ولا أتصور أن من يتسابقون للجلوس في الصفوف الأمامية يرون الحاضرين حولهم. ولكني الآن أتحرك محملاً ومكبلاً بلقب عضو مجلس النواب. وما يمكن أن يحمله من تراث لدي الآخرين ومن نظرة أيضاً لم أتعود عليها بعد. بل إن أذني لم تعتد كل من ينادونني مسبوقاً بكلمة: سيادة النائب.
علي المنصة جلس ياسر رزق ليدير الحوار وبجواره الدكتور أشرف العربي، وزير التخطيط، وزميلنا حلمي النمنم، وزير الثقافة. وكان أول المنصرفين أشرف العربي، لأنه قال إنه رجل تخطيط، ورجل التخطيط يجب أن ينام مبكراً. مع أن التخطيط - خصوصاً تخطيط اقتصاد وأوضاع ومستقبل مصر - يجعل النوم يطير من عيني أي إنسان مهما كان متعباً.
لاحظت طغيان أهل الفن علي أهل الأدب. لا أعرف السبب هل تمت دعوة الجميع وكانت تلبية أهل الفن سابقة علي الأدباء والكُتَّاب، الثقافة منظومة كاملة بالنسبة لي تبدأ من الكتاب والفيلم السينمائي والعرض المسرحي ولوحة الفن التشكيلي والفنون الشعبية. وهذه المنظومة تدور حول تجليات الروح المصرية الراهنة الآن. لاحظت أن الحضور كلهم من الرجال. ونحن نعيش في مجتمع الرجال. يقرر الرجل كل ما فيه. وأن الفنانة الوحيدة التي كانت حاضرة: فردوس عبد الحميد. مع أن نصف الحضور كان لا بد أن تشكله فنانات وكاتبات وأديبات. إن أردنا تمثيلاً صادقاً وحقيقياً للمجتمع المصري الراهن.
حتي تعبير أهل الفن يبدو فضفاضاً لأن الأغلب الأهم من بينهم - والفن عنوانه كبير ومتنوع - أهل الموسيقي والغناء. والموسيقي مسألة بالغة الأهمية، كان الأستاذ هيكل - يرحمه الله رحمة واسعة - يقول لي كثيراً وبصورة متكررة: إن رغبت أن تعرف كيف يفكر شعب من الشعوب؟ وكيف يحيا؟ وما نظرته لقضايا الدنيا؟ عليك أن تعرف أولاً غناءه وموسيقاه. فالنغم والصوت المصاحب للنغم أكبر تعبير عن التجربة الإنسانية.
ولولا ما قاله الزميل علاء عبد الوهاب، والصديق أسامة الشيخ، والوزير حلمي النمنم عن الكتاب المصري وحركة النشر في مصر والترجمة لما سمعنا في اللقاء ما يمكن أن يمتد إلي هذا الجانب المهم والجوهري من جوانب حياتنا الثقافية الراهنة. فقد لا يبقي من زماننا ليعاصر الأجيال القادمة وليخبرهم وينوب عنا في وصلهم بنا أكثر من الكتاب والاسطوانة ولوحة الفن التشكيلي.
أهمية اللقاء أنه يدور حول ثقافتنا الراهنة. لاحظت علي معظم من تكلموا أنهم يقفون في معسكر إثبات أهمية الثقافة الناتج عن إحساس بالاغتراب غير العادي عن مجتمعنا الراهن. وأننا نعيش في واقع لا يعتبر الثقافة أحد مكوناته الأساسية. ولا يتصور أن مكونات الثقافة يمكن أن تشكل نقطة انطلاق حقيقية للخروج من المأزق الراهن.
كان للسينما حضورها الطاغي كصناعة غابت عن حياتنا. تحدث عنها طويلاً فاروق صبري. والدراما التليفزيونية حملها إلينا محمد فاضل. وقال كلاماً سمعته منه من قبل وهو محق في غيرته علي تراجع هذه الصناعة المهمة التي شكَّلت دوراً لمصر في الوطن العربي والأمة الإسلامية، ويمكن الآن أن تثبت تواجداً لنا في العالم الثالث، إفريقيا وآسيا وربما أمريكا اللاتينية.
المهم ألا تشغلنا هموم مصر وإشكاليات الواقع اليومية عن الاجتماع الثاني الذي نستكمل فيه ما بدأناه في هذا الاجتماع الأول.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف