الأهرام
سكينة فؤاد
ورأيت القمح فى ميدان التحرير
منذ اكثر من خمسة عشر عاما عندما كتبت حملتى الصحفية المطولة عن القمح وتناولت مافيا الاستيراد كجزء من فساد منظومة زراعة القمح واستيراده ومؤامرة الامريكان والصهاينة خارج مصر وداخلها حتى لا يكتفى المصريون من زرع أيديهم ويظلوا على رأس قوائم مستوردى غذائهم ومحاصيلهم الاستراتيجية وبالتحديد القمح!! وعلى شراسة واجرام المؤامرة الخارجية والداخلية لم أتصور أن يتضخم حجم فساد هذه المنظومة الى الأرقام التى توالى كشفها لجنة تقصى حقائق القمح بمجلس النواب ولعل عند نشر هذه السطور تعلن اللجنة تقديرها النهائى الذى أعلنت انه استند الى نحو 132 ألف وثيقة!!!

وقد توالى نشر تصريحات ووقائع خطيرة مثل ما نسب لشركات استيراد القمح ولا أعرف الى متى ستظل مهمة الاستيراد موكولة لشركات خاصة بعد كل ما تكشف من وقائع خطيرة؟!! المهم أنه ووفق المنشور نسبت الى جهات مسئولة وجود اختراقات لمنظومة الصرف بهدف إجراء صرف وهمى للآلاف من أرغفة الخبز يوميا كذلك هناك ما نسب لرئيس قسم المخابز بالادارة العامة للتموينة بأن هناك قضية تم تحويلها للنيابة العامة متعلقة بأحد أفران الاسماعيلية التى قام صاحبها باختراق هذه المنظومة بواسطة فلاشة وكانت كميات الخبز المنصرفة وهميا من خلال الفلاشة تتعدى مليونا و200 ألف جنيه!! بالإضافة الى العديد من القضايا المشابهة، وأن جميع هذه القضايا كان يتم ابلاغ وزير التموين بها من خلال مكتبه، وأن التقرير الذى انفردت بنشره »الوطن« الاسبوع الماضى، قد أوضح وجود كروت محمل عليها برامج معينة من خلال بعض الموظفين الفاسدين بالشركات يتم بها تحميل أعمال بيع وهمى للخبز من خلال ماكينات الصرف للمخابز وأن رئيس قسم المخابز أخطر وزير التموين بوجود العديد من القضايا فضلا من قيام بعض موظفى مكاتب التموين بعمل إضافات لاعداد مستحقين وهمية على البطاقات المختلفة وبعد مراجعة ضباط الإدارة العامة لمباحث التموين على أثر حفظ كل القضايا المحررة ضد المخابز التى ترصد فيها مبالغات وانتهاكات للمال العام بناء على طلب وزير التموين الذي منعهم من تحرير أى محاضر لعدم وجود عقاب فعلى، مما أدى إلى فتح أبواب كثيرة للفساد!!

بينما فى تصريح آخر يعلن وزير التموين أن وزارته رصدت بعض المخالفات الخاصة بالقمح، وتم تحويل الأمر كله للقضاء !!

أين الحقيقة.. وأين المواطن ومن يحمى حقوقه وإستحقاقاته حتى فى رغيف العيش وسط متاهات الغش والسرقات والأرقام الوهمية؟!!

وتوالى لجنة تقصى حقائق القمح كشف المزيد من المليارات المضيعة على الشعب والدولة بسبب قساد التخزين والتوريد ومما اضطر اللجنة أن تطلب من النيابة العامة تفتيش ومراجعة دفاتر توريد المحصول فى 517 صومعة وشونة يتم تخزين القمح بها خلال الموسم الحالى منها 135 شونة وصومعة مملوكة للقطاع الخاص فضلا عن الاهمال والاستهتار فى تخزين عشرات الآلاف من الأطنان فى الهواء الطلق دون حفظ فى أجولة بينها وسط جبال القمح فى العراء وسط التراب ووسط الحيوانات والدواجن!! ولتكتمل أبعاد الفساد الذي يملأ المنظومة يصرح رئيس مجلس إدارة شركة بلون جرين الأمريكية إحدى الشركات العالمية فى توفير أنظمة التخزين وتقنيات الأمن الغذائى بأن مصر تعانى أزمة حقيقية فى إدارة وتخزين القمح وأن هذه المنظومة تسببت فى إهدار كميات هائلة من القمح.. وأنهم فى المرحلة الأولى من مشروع تطوير الصوامع تسلموا 92 صومعة في 20 محافظة قبل بداية موسم القمح، وأن هذا العدد من الصوامع يتعامل مع ربع إنتاج الدولة تقريبا من القمح ولكن الشركة القابضة للصوامع عطلت توصيل الكهرباء إليها!!.

من يصدق أن من علموا الدنيا زراعة القمح يأتون بمن يعلمهم كيف يقومون بتخزينه؟!! وأن توضع أكوام القمح في العراء، وأن 92 صومعة جهزت، وكما يقول رئيس مجلس ادارة بلون جرين الامريكية ان الشركة القابضة عطلت توصيل الكهرباء إليها!! بينما يتوالي استيراد مئات الآلاف من أطنان القمح من أنحاء الدنيا لنواصل إهدارها بأنظمة تخزين فاسدة أو سرقة المليارات بجرائم خلطها بالأقماح المحلية كتبت الدستور 18/8 كشف تقرير رسمي لمركز البحوث الزراعية أن مافيا القمح خلطت الانتاج المحلي بأقماح مستوردة بنسبة خلط بلغت 40% بالمخالفة للقانون، وحققت من وراء هذا أرباحا تقدر بنحو 15 مليار جنيه وأن «مجدي ملك» رئيس لجنة تقصي حقائق توريد القمح صرح بأن التقرير الذي تم رفعه للنائب العام حول وقائع الفساد أكد تورط شخصيات عامة في المجتمع وقيادات بارزة في وزارتي الزراعة والتموين!!وقائع فساد منظومة القمح بأكملها الزراعة والاستيراد والخلط والتشوين والتخزين، وكل ما أدت اليه منذ سنوات طويلة من تصدر مصر لقوائم مستورديه ومنع الدعم عن الذهاب لمستحقية والجوع والغلاء اللذين يتهددان المواطن بينما المسروق من أرغفة العيش بالملايين: ومن الاستيراد بالمليارات والإصرار علي مواصلة الفساد وتحدي محاولات الإصلاح وتأمين لقمة العيش والمحاصيل الاسياسية.

أثناء كتابة هذه السطور يتصل بي «عيد عفيفي» فلاح مصري من سلالة الفلاح الفصيح ومن أبناء كوم أوسيم البراجيل محافظة الجيزة أغضبه تصريح لرئيس الوزراء بضرورة زيادة الرقعة المزروعة من الذرة وسائر المحاصيل الاستراتيجية لتقلل فجوة الاستيراد، ويتساءل «عيد» هل لم يسمع رئيس الوزراء بانهيار حال التقاوي وأن أغلب الموجود منها بالأسواق مغشوش وفاسد وأدي ويؤدي الي انهيار كميات وجودة المحاصيل ويطالب بأن تقوم مزارع كليات الزراعة ومركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة بإنتاج بذور محسنة وجيدة لإنقاذ الفلاحين من تلاعب تجار البذور الذين يسيطرون علي أسواقها.. أسئلة وجيهة تنتظر إجابات.. كيف يزيد الفلاحون الإنتاجية ببذور فاسدة وأين وزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية وكليات الزراعة جميع جامعاتنا من إمدادات الفلاحين وتغطية الأسواق بالتقاوي التي تحقق الإنتاجية التي تقلل فجوة الاستيراد ونزيف العملة الصعبة ومهددات الأمن القومي والحيوي التي يؤدي اليها الاعتماد علي الاستيراد.. ورحم الله شركة «نوباسيد» الوطنية لإنتاج البذور التي كانت أولى شركات القطاع الخاص التي حرص التطبيع الزراعي علي القضاء عليها لصالح شركة هزيرا الإسرائيلية!! رأيته يمتليء بسنابل القمح ميدان التحرير عندما ساعدني بعض الشباب لأعتلي منصة من منصات الميدان في الايام الأولي لثورة 25 يناير.. تحولت رءوس الآلاف من البشر إلي بحور من سنابل القمح، جسدت حلمي، وما أعرفه من إمكانات تمتليء بها مصر لتحقيقه تصورت ان اكتفاءنا من القمح ومحاصلينا الأساسية سيكون المهمة الأولي لأول وزير زراعة بعد الثورة.. وتوالي الوزراء وتوالي إجهاض الحلم والخطوة الأولي لتحقيقه الحساب الحاسم والباتر لكل شريك ومهما كان في جرائم الفساد التي تتكشف الآن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف