تفاقمت تعقيدات الأزمة اليمنية فى الأيام الأخيرة بعد نحو سبعة عشر شهراً من بدء الحملة العسكرية بقيادة السعودية والتى حملت اسم «عاصفة الحزم» فى 26 مارس من العام الماضى، والتى جاءت للدفاع عن شرعية الرئيس «هادى» ضد الحوثيين وأنصار على عبدالله صالح.. وفى 22 أبريل 2015 استبدل اسم الحملة لتصبح «استعادة الأمل».. وفى أكتوبر من نفس العام خرج «عادل الجبير»، وزير خارجية السعودية ليبشر بقرب انتهاء حملة استعادة الأمل واستند فى ذلك إلى المكاسب الميدانية التى حققتها قوات التحالف العربى.. بيد أن النزاع بين الطرفين استمر ليصل إلى حرب استنزاف ضارية طويلة ومتواصلة وبلا مستقبل واضح لاسيما مع وجود العديد من الفصائل والعناصر المنخرطة فيها.. هذا فضلاً عن استهدافها للتنظيمات الجهادية التى استغلت النزاع القائم لتعزيز نفوذها فى جنوب البلاد.
غير أن المعارك العسكرية التى خاضتها السعودية لم تكن بالوليمة السهلة وهى تواجه الحوثيين الذين خاضوا ستة حروب من قبل ضد الحكومة اليمنية بين 2004 و2010، وزاد الطين بلة فشل المفاوضات التى عقدت بالكويت بداية من 21 أبريل الماضى فى محاولة لرأب الصدع بين الطرفين والتوصل إلى حل سياسى للأزمة، ومن ثم تم تعليقها فى السادس من أغسطس الحالى لتشرع السعودية فى حملتها العسكرية من جديد.. بيد أنها فى الوقت نفسه تقوم ببذل محاولات لإيجاد مخرج من النزاع لاسيما بعد الانتقادات الدولية المتزايدة على خلفية ارتفاع عدد الضحايا المدنيين جراء غارات التحالف الجوية.. وازدادت الانتقادات حدة عقب مقتل 19 شخصاً فى قصف التحالف لمستشفى تابع لمنظمة «أطباء بلا حدود» فى محافظة حجة فى 15 من الشهر الجارى، ومقتل عشرة أطفال قبل ذلك بيومين عندما قصف التحالف مدرسة بمحافظة صعدة.. بيد أن المتحدث باسم التحالف خرج ليبرئ السعودية من الواقعة بدعوى أن ما تم قصفه كان مركز تدريب للمتمردين، ولم يكن مدرسة، واتهم المتمردين بتجنيد الأطفال للقتال.
لم تسلم السعودية من قذائف الحوثيين، فمنذ بدء عمليات التحالف قتل أكثر من مائة فى جنوب السعودية معظمهم من العسكريين جراء اشتباكات وقصف عبر الحدود، ومقتل 12 من حرس الحدود السعوديين فى معارك مع المتمردين فى الأسبوع الأخير من الشهر الماضى.. وفى 16 من الشهر الجارى قتل سبعة مدنيين بفعل قذيفة انطلقت من اليمن ليشكل هذا أعلى حصيلة لقتل المدنيين منذ بدء عمليات التحالف.. ولكن بعد ثلاثة أشهر من التهدئة خلال المباحثات التى جمعت الطرفين فى الكويت عمدت جماعة أنصار الله «الحوثيون» وحزب المؤتمر الشعبى العام بزعامة على عبدالله صالح بتشكيل مجلس سياسى أعلى لإدارة شئون البلاد ليكون بمثابة المجلس الرئاسى، ما أدى إلى تعليق مشاورات السلام لاسيما وقد رأت فيه السعودية تهديداً يطال شرعية الرئيس «هادى».. وهكذا عادت اليوم حرب الاستنزاف لتشتعل من جديد رغم ما خلفته من فاتورة باهظة قتل خلالها وفق أرقام الأمم المتحدة أكثر من ستة آلاف وخمسمائة شخص وأصيب نحو 33 ألفاً خلافاً لمليونى ونصف المليون نازح.
هناك شعور مفاده أنه رغم قناعة البعض بعدم وجود حل عسكرى للأزمة اليمنية، فإن السعودية لن توقف عملياتها لاسيما مع وجود ضغط من حلفائها الغربيين خاصة أمريكا وبريطانيا، وتظل الضربات الجوية الخاطئة من قبل التحالف العربى تثير حفيظة الشارع اليمنى، وهو ما استغله الحوثيون كوسيلة ضغط على التحالف - الذى تقوده السعودية - عبر المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الدولية، لقد تحولت الأزمة إلى مأزق، ولا يدرى المرء كيف يمكن للطرفين الخروج منها؟.. ولتلافى المأزق يتعين اليوم تشكيل لجنة تقصى حقائق دولية من الأمم المتحدة ومن منظمات دولية حتى لا تصبح عمليات إزهاق الأرواح البريئة مجرد أخطاء، كما لابد من بلورة رؤية جديدة فى المعادلة اليمنية ترتكز على واقعية تتبنى الحل السياسى للخروج من المأزق الراهن عبر حل شامل وليس جزئياً.