لست من الذين يرون أن شباب مصر بالمطلق رافضون لنظام 30 يونيو كما حاول البعض تمريره كحقيقة سياسية والبناء عليها لأهداف تخص تيارات بعينها، ولست أيضا من الذين يقولون إن هناك قطيعة بين الشباب كفئة عمرية وبين الرئيس السيسى، أو الحكم الجديد بوجه عام، فالشواهد عكس ذلك ومن اليسير إدراكها. غير أن هذا لا يعنى أن كل الشباب كفئة عمرية حتى 35 عاما على الأكثر وتمتد فى كل الطبقات الاجتماعية المصرية، لديهم آراء إيجابية على طول الخط تجاه الحكومة أو القرارات والقوانين التى اتخذت بالفعل أو المزمع اتخاذها فى الفترة المقبلة. وما أعنيه هنا هم الغالبية العظمى من شباب مصر الذين يبحثون عن فرصة عمل أو يعملون بالفعل فى الحكومة أو القطاع الخاص أو لديهم مشروعهم الخاص، والذين يشكلون أسُرا صغيرة العدد، أو يسعون إلى ذلك من خلال الكفاح الحقيقى والمشروع لكسب الرزق وتكوين إدخار مناسب لبدء حياة أسرية، وهم الذين يشكلون نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى التى تُعد فى كل المجتمعات الفئة الاجتماعية الضابطة لحركة المجتمع، والتى إن تعرضت لسوء فإنها تجذب الوطن ككل إلى هذا السوء، والعكس صحيح. هؤلاء هم الأكثر تعرضا للضغوط من كل الأنواع، وهم الأكثر تأثرا بما يجرى فى الاقتصاد الكلى، وهم الأكثر شعورا بقدر من الإحباط، وهم أيضا الأكثر مشاركة فى مواقع التواصل الاجتماعى والأكثر تعرضا لما فيها من حسنات وسيئات. وبذلك فهم الأكثر ضرورة لمخاطبتهم ووضعهم فى الاعتبار عند كل قرار أو خطة أو تحرك سياسى أو اقتصادى من التحركات التى تبدو ضرورية وحتمية كضريبة لإنجاز برنامج إصلاح شامل على مدى السنوات المقبلة.
والواضح أن جهد وقدرة الحكومة على مخاطبة هذه الفئة العمرية غير موجودة أصلا، وبالرغم مما تبذله وزارة الشباب والرياضة من محاولات التواصل مع فئة الشباب حتى منتصف العشرينيات من العمر، فإنها لا تصل إلا لنسبة محدودة جدا تكاد لا تُذكر. والأمر ذاته بالنسبة لوزارة الثقافة. وفى المحصلة هناك فراغ معرفى وسياسى واقتصادى حقيقى لدى هذه الفئة العمرية الممتدة فى مختلف الطبقات الاجتماعية، وبينما لدى هذه الفئة الكثير من الأسئلة المحورية، فإن غالبيتها لا تصل أبدا إلى أى إجابات مقنعة أو على الأقل توضح لها المسارات الواجب اتباعها فى قادم الأيام. وكل ما تعرفه هذه الفئة العمرية، وأيضا الفئات الأكبر عمرا، هو أن هناك برنامجا للاصلاح الاقتصادى يتطلب اتخاذ قرارات صعبة ترجمتها الحرفية تعنى مزيدا من الأعباء المالية ومزيدا من التقشف ومزيدا من تراجع مستوى المعيشة. الأمر الثانى وهو أن هناك خطوات تزمع الحكومة أخذها وهى لا علاقة لها أبدا بمبدأ أن فاتورة الإصلاح يجب أن يتحملها الجميع فى المدى الزمنى نفسه، وهو مبدأ من شأنه أن يُجسد العدل بمعناه الرمزى والإنسانى والقانونى، وبما يساعد على تمرير القرارات والإجراءات الصعبة بأقل درجة من التضرر والمعارضة وتشويه نظام الحكم. أما أن يكون هناك تمييز بين فئة اجتماعية لا تتحمل وباقى الفئات هى التى تتحمل، أو تمييز على أساس مؤسسى يمنح ميزات جديدة للعاملين فى هذه المؤسسات من عائد يتم تحصيله إجباريا من عموم المواطنين، فهو أمر ليس فقط ضد الحكمة والعدالة، بل أيضا ضد فكرة الإصلاح ذاتها، وضد كل المبادئ التى يفترض أن يتمسك بها الحكم والقائمون عليه فى هذه المرحلة الحرجة جدا التى تمر بها مصر. والحقيقة أن مشروعى الحكومة بتعديلات قانونية تتضمن زيادة تكلفة الخدمات التى تقدمها وزارة الداخلية من أجل إنشاء صندوق تحسين خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء الشرطة وأسرهم، ومشروع قانون بفرض رسم قدره عشرة جنيهات على أى أعمال قضائية وتوريدها لمصلحة صندوق خدمات القضاة، هما من قبيل القوانين المسيئة لهاتين المؤسستين، وينطويان على تمييز فئوى ليس مطلوبا أبدا فى هذا التوقيت تحديدا. فمثل هذه الصيغة لتدبير موارد على حساب عموم المواطنين تتصادم مع العدالة المنشودة فى تحمل الكل فاتورة الإصلاح الشامل الموعود.
لسنا هنا فى وارد الإثارة ضد مؤسستين مهمتين ورئيسيتين فى أى نظام حكم وفى أى دولة، ولكل منهما كامل الاحترام والتقدير لما تقومان به من أجل حماية الدولة المصرية بمواردها وناسها، ولسنا فى وارد التشكيك فى نيات الحكومة، ولكن الأمر فى جملته غير مفهوم وغير مُحبذ وغالبا سيأتى بنتائج عكسية وسيمثل وقودا لحملات تشكيك وإثارة لا تتورع عن خلق الأكاذيب والافتراءات التى لا أساس لها، فما بال إن كانت هناك حقيقة ساطعة يمكن توظيفها والبناء عليها بكل سوء نية. وحتى قبل إقرار هذه القوانين أو تعديلاتها فهناك من قالوا وجاهروا بالقول نحن فعلا أبناء ومؤيدو نظام 30 يونيو، ولكننا لا نفهم لماذا لا تتخذ الحكومة قراراتها بعدل، نحن نحصل على أقل من الحد الأدنى من الرواتب المحددة بألف ومائتى جنيه، ولا نحصل على الرعاية الصحية أو خدمات الترفية التى يحصل عليها العاملون فى الداخلية والقضاء، ومع ذلك صابرون ومستعدون لصبر آخر، ولكننا لا نفهم كيف نمول هذه الرعاية لمن لديهم موارد ورعاية ممتازة فى حين أن مواردنا الخاصة أقل كثيرا من احتياجاتنا الفعلية، أليس الأجدى أن تساوى الحكومة بين شعبها.. فهل لدى الحكومة تفسير واستعداد لتحمل النتائج؟.