كنا نعرف من الأدب الكندى المعاصر الروائية: مارجريت أتوود، واهتمامى بكندا أدبا وبشرا وتجربة وجغرافيا وتاريخا إزداد بعد إقامة ابنى أحمد بها منذ سنة 2000 وحتى الآن. أقول كنا نعرف مارجريت أتوود، فهى الكاتبة الكندية - ربما الوحيدة - التى ترجم المركز القومى للترجمة أكثر من رواية لها.
عندما طرقت نوبل أبواب كندا، ذهبت إلى أليس مونرو. ولأن أهل مكة أدرى بشعابها فأهل نوبل يعرفون لماذا تم تفضيل أليس مونرو على مارجريت أتوود؟ مع أن مارجريت أتوود أقامت صلة مع القارئ العربى عبر إبداعها الروائى. كانت تفتقد إليها أليس مونرو حتى لحظة حصولها على نوبل.
كنت أمر على سور الكتب القديمة، أو لنقل المستعملة فى السيدة زينب. فوجدتنى أمام كتاب لمارجريت أتوود، مضى على صدوره عن المركز القومى للترجمة 11 عاماً. عنوانه: مفاوضات مع الموتى، تأملات كاتب حول الكتابة. ترجمته وقدمته: عزة مازن، ويبدو أن المترجمة أهدته إلى صديقة لها، والصديقة تخلصت من الكتاب مثلما يفعل معظم أهل زماننا، الإهداء بخط عزة فى الصفحة الأولى.
عزيزتى وصديقتى الحبيبة مى، شكراً لصداقتك الجميلة، مع تحياتى، عزة مازن، مارس 2007. الإهداء بعد صدور الكتاب بعامين. والكتاب عبارة عن مجموعة من المحاضرات التى ألقتها الكاتبة فى جامعة كامبريدج ضمن برنامج محاضرات أمبسون الذى تتبناه الجامعة وتدعو للمحاضرة فيه نخبة من مبدعى الأدب ونقاده حيث يتناولون موضوعات ثقافية وأدبية شتى بأسلوب يفهمه جمهور الحاضرين من غير المتخصصين فى الدراسات الأدبية. وهو معنى توقفت أمامه، إذن فإن الجمهور العادى فى تلك البلاد البعيدة يمكنه الذهاب لمحاضرة تلقيها كاتبة، ومثل هذه المحاضرات عندما يلقيها الكتاب فى جامعاتنا - إن حدث هذا - فالحضور لا يخرج عن طلاب الدراسات الأدبية والمتخصصين فيها، أما الجمهور العادى فلا يحضرها، لأنه لا يتمكن من دخول الجامعة، بعد أن أحيطت الجامعات بأسوار وحراس وعلى أبوابها من يسألك: من أنت؟ وماذا تريد؟.
عنوان الكتاب الذى جمع المحاضرات: مفاوضات مع الموتى، وكنت أتصور أن يكون العنوان: محاورات مع الموتى، لأن المفاوضات تتم بين الساسة فى أمور كبيرة تخص عالمنا الصعب والمعقد، أما الحوارات فهى ما يجرى بين من يعانقون الحرف ويشتغلون بالكتابة ويمتهنون مهنة الخيال الإنسانى.
فاتنى أن أقدم الكاتبة، ولدت مارجريت أتوود فى 18 نوفمبر سنة 1939، فى مدينة أوتاوا بكندا، وهى الطفلة الثانية من ثلاثة أبناء - وهذه المعلومات دونتها المترجمة فى المقدمة التى قدمت بها الكتاب وصاحبته - كانت المؤلفة تقضى معظم أيام السنة مع أسرتها فى غابات كويبك وأونتاريو بكندا، حيث يتابع والدها أبحاثه فى علم الحشرات، وكانت تعود إلى تورنتو أيام الدراسة.
بدأت تمارس الكتابة الإبداعية منذ السادسة عشرة من عمرها، تخرجت فى جامعة تورنتو عام 1961، حصلت على ليسانس الآداب مع مرتبة الشرف، بعدها حصلت على درجة الماجستير من جامعة هارفرد سنة 1962، ثم عادت لاستكمال دراستها للدكتوراه، ولكنها لم تتمها، جذبت الأنظار إليها عام 1961 بمجموعتها الشعرية الأولى «توأم برسفونى». وربما كان هذا هو السر فى كثرة استشهاداتها الشعرية عبر مفاوضاتها مع الموتى، فى البداية استغربت الأمر، فالروائى عادة ما يميل إلى استشهادات روائية، وإن كانت المسافة بين كتابة الشعر أو كتابة الرواية لا وجود لها، فالكتابة كتابة أولاً وأخيراً. تثير خيال القارئ ورغبته فى تلقى الكتابة فتحدث معجزة القراءة. والمؤلفة روائية وكاتبة للقصة القصيرة وشاعرة وناقدة أدبية، ذلك بالإضافة إلى إسهاماتها فى الكتابة للأطفال، وصلت كتاباتها إلى أكثر من ثلاثين كتاباً، ترجم كثير منها إلى أكثر من 35 لغة عالمية، كما أدرجت ضمن مناهج دراسة الأدب فى المدارس والجامعات، وأصبحت مادة للحوارات الأدبية والمراجعات النقدية وأبحاث التخرج فى أقسام الأدب حول العالم، حصلت الكاتبة على جائزة بوكر الأدبية عام 2000 عن روايتها: القاتل الأعمى.
التدريس فى الجامعات مهنتها. درَّست فى جامعة كولومبيا البريطانية وجامعة تورنتو ويورك فى تورنتو، كما شغلت منصب رئيس اتحاد الكتاب الكنديين، وكتابها هذا يدور حول الكتابة: لماذا يكتب الكاتب؟ وما هى الكتابة؟ ومن أين تأتى؟.