الأهرام
د. نصر محمد عارف
ماذا لو تعاملت الدول مع الإخوان بمنهج أردوغان؟
إن أبسط قواعد العدالة أن تعامل الناس بالمثل، أى أن تعاملهم كما يعاملونك، وأن تطبق عليهم نفس مبادئهم، وقد استقر هذا المبدأ فى النظام الدولي، وأصبح يحكم العلاقات الدبلوماسية بين الدول ابتداء من منح تأشيرات الدخول للمواطنين إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي، حتى حشد الجيوش وإعلان الحروب، ومن هنا فإن إلزام الفاعلين السياسيين بمبادئهم وقيمهم وسياساتهم يعد أمراً طبيعيا ومقبولاً، ولا يخالف قواعد العدالة، أو يتعارض مع الأعراف السياسية.

وحيث إن السيد رجب طيب أردوغان قد انحاز لتنظيم الإخوان فى جميع الدول العربية طوال السنوات الخمس الماضية، انحيازاً كاملا فى أثناء وجودهم فى السلطة، وقبل وصولهم إليها، وبعد فقدانهم لها، وحيث إن رموز الإخوان فى جميع الدول العربية قد أعلنوا -بصورة عالية زاعقة واضحة لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل - انحيازهم للسيد أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده وأعلنوا تأييدهم له فى كل قراراته وسياساته وتصريحاته وأفعاله بعد هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، فإنه من المنطقى أن يقبل الإخوان أن يتم التعامل معهم من قبل خصومهم السياسيين كما تعامل مع خصومه خليفتهم وزعيمهم أردوغان، وهنا ينبغى التذكير أن من أطلق عليه أوصاف الزعيم والخليفة والسلطان هو الدكتور يوسف القرضاوى فى الاحتفال الذى نظم فى اسنطبول لشكر أردوغان على دعمه الثورات العربية. على الرغم من كل ذلك فإن منطق السيادة الذى تتمتع به الدولة التركية، ورئيسها الشرعى السيد أردوغان يفرض على الجميع عدم التشكيك فيما تقوله الحكومة الشرعية التى تعرضت لانقلاب فاشل، فلا يحق لأى أحد أن يشكك فى أى حادث يقع داخل حدود السيادة التركية، فإذا قالت حكومة تركيا الشرعية إن هذا الذى حدث انقلاب، فيجب على جميع دول العالم أن تعترف بأنه إنقلاب، ولا يصدر منها أى تعليق يشكك فى صدق نيات الحكومة التركية؛ لأن هذا من صميم سيادة الدولة التركية.والمتابع لكل الإجراءات والقرارات التى اتخذها الرئيس التركى بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد من يظن أنهم قاموا بالانقلاب، أو شجعوا عليه، أو أيدوا من شجع عليه، أو تعاطفوا مع التنظيم الذى ينتمى إليه بعض من شجع على الانقلاب، أو كانوا فى يوم من الأيام مرتبطين بحركة الخدمة؛ التى اتهمها دون تحقيق قضائى بالتخطيط للانقلاب، أو العاملين فى المؤسسات التى يملكها من ينتمى لحركة الخدمة، وكان نتيجة هذه القرارات حتى اليوم طرد أكثر من مائة ألف مواطن تركى من وظائفهم دون تحقيق أو حكم قضائي، واعتقال أكثر من خمسين ألف مواطن تركى كذلك دون تحقيق أو حكم قضائي، ومصادرة أموال أشخاص ومنظمات وشركات، وإغلاق أكثر من ألف مدرسة وعشرات الجامعات والمؤسسات الإعلامية والصحفية ومراكز الأبحاث والجمعيات الخيرية.

بل إن السيد أردوغان تجاوز كل أعراف القانون والعلوم السياسية، التى تنص على إقليمية القانون، وأن حدود السيادة هى حدود إقليم الدولة، وحوَّل صراعه الشخصى والحزبى مع الأستاذ فتح الله جولن وحركة الخدمة إلى حرب عالمية ضد كل من ارتبط بحركة الخدمة، وكل نشاطاتها التى تقع فى دول أخرى ذات سيادة؛ لم تتهم هذه الحركة بأى تهمه، فقام السيد أردوغان باستخدام كل وسائل الضغط التى يملكها لإلحاق الضرر بمؤسسات تقع فى دول أخري، ولكنها مرتبطة فكريا بحركة الخدمة، وهنا لابد من التأكيد أن القانون يحاكم الأفعال وليس الأفكار.

هذا المنهج الأردوغانى الذى يؤيده قيادات الإخوان ويصفقون له، من الممكن أن يتم تطبيقه على الإخوان فى أى بلد من بلدان العالم الإسلامي، إذا ما وقعت محاولة انقلاب فاشلة فيها، سواء أكانت حقيقية أم مسرحية، فالدولة ذات سيادة، وحكومتها الشرعية هى التى تقرر إذا ما كانت هناك محاولة انقلاب أم لا، نفس المبدأ الذى تم تطبيقه مع الحكومة الشرعية فى تركيا، لم يحقق أحد فى صحة محاولة الانقلاب، كذلك لم يحقق أحد فى حقيقة من يقف وراء الانقلاب، نفس هذه المبادئ يجب أن يتم الالتزام بها إذا ما أعلنت دولة من الدول أن هناك محاولة انقلاب فاشلة وقعت فيها، وأن تنظيم الإخوان فيها يقف وراء هذه المحاولة. هنا يحق لهذه الدولة أن تقتدى بمنهج السيد أردوغان، وتطبق على تنظيم الإخوان جميع الإجراءات التى اتبعها زعيمهم الملهم السيد أردوغان، الذى يجب أن يقتدى به الجميع فى التعامل مع تنظيم الإخوان، ولن يكون الادعاء غريبا فقد تورط هذا التنظيم فى محاولات انقلاب فاشلة أيام النميري، ومحاولات ناجحة فى السودان.لقد قدم السيد أردوغان بذكائه المفرط أعظم خدمة لجميع الدول فى العالم الإسلامى التى تريد التخلص من خصومها بضربة قاضية، تقتلعهم من الأرض، وتجتثهم من الوجود، وتطهر المجتمع منهم، وهذه جميعا عباراته التى يستخدمها ضد حركة الخدمة، لقد نجح السيد أردوغان فى ترسيخ مبدأ جديد يجب أن يحمل اسمه، وهو اجتثاث الخصوم السياسيين دون محاكمة أو قضاء أو عدالة، فقط المطلوب ثلاث دبابات تقطع أحد شوارع العاصمة، ودانة مدفع تضرب مبنى البرلمان الفارغ، ومذيعة شقراء تقرأ بياناً أعده مخرج البرنامج، ثم يتم إعلان فشل الانقلاب بعد أن ينام مجموعة جنود مستسلمين فى الشارع دون مقاومة. دمت أيها العثمانى الأخير أردوغان بطلاً لصناعة الطغيان، وقدوة لبلهاء العربان، وغراباً يقود الإخوان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف