المصرى اليوم
أسامة غريب
أصحاب الجلالة.. الخونة
كانت مصر كلها تنزف دماً أثناء حرب الاستنزاف التى بدأت بعد هزيمة 67. وكان الجنود المصريون الرابضون على خط النار يتدربون ليل نهار فى ظروف مستحيلة على عبور قناة السويس من أجل استرداد الأرض وغسل عار الهزيمة.

وكان الشهداء يتساقطون كل يوم بالعشرات أثناء قيام الجنود والعمال ببناء حائط الصواريخ على طول الجبهة لحماية سماء مصر من سلاح الجو الإسرائيلى الرهيب الذى كان قد استباح المدن المصرية وأخذ يقوم بالإغارة بشكل يومى على مدارس الأطفال وعلى المصانع والمستشفيات ودور العبادة. وكنا نلملم أشلاء ضحايانا ونمسح الدمع ثم نستكمل التدريب والبناء انتظاراً ليوم الثأر.

وعلى الجبهة السورية كان يحدث الأمر نفسه، وكان الجنود السوريون يقومون بالمناورات التدريبية فى أجواء تصل درجة حرارتها إلى ما دون الصفر أملاً فى خوض معركة مشرفة. وكانت المدن السورية تستقبل غارات غادرة على المدنيين بشكل يومى.

وأخذ الإعداد للمعركة يتصاعد يوماً بعد يوم، واعتمد المصريون والسوريون خطة للتمويه من أجل إخفاء موعد ساعة الصفر ومفاجأة الإسرائيليين.

وفى يوم الخامس من أكتوبر عام 73 كان المتبقى على بدء المعركة أربعاً وعشرين ساعة. فى هذا الصباح وتمهيداً للمعركة عبرت وحدات من الكوماندوز المصريين قناة السويس دون أن يلحظ العدو، وقام أفرادها بسد فتحات النابالم التى كان الإسرائيليون قد أعدوها ليشعلوا قناة السويس ويحرقوا جيش مصر أثناء العبور. وكان القادة المصريون يتضرعون إلى الله أن يمر هذا اليوم على خير ولا يفهم العدو نواياهم حتى لا يقوم بالاستعداد أو توجيه ضربة إجهاضية للقوات المصرية.

فى هذا اليوم المشهود قام أحد الحكام العرب بركوب طائرته التى كان يقودها بنفسه وهبط بها داخل أراضى العدو الإسرائيلى، ثم عاد بعد أن أتم مهمته بنجاح وحذّر جولدا مائير وقادة جيشها من الهجوم المصرى السورى القادم!!

وقد انكشف هذا السر من خلال الوثائق الإسرائيلية التى تم الإفراج عنها بعد مرور ثلاثين عاماً عليها، ولم يجد الإسرائيليون غضاضة فى فضح رجلهم.

لكن الأغرب من الخيال هو أن مصر فى زمن آخر قامت بإطلاق اسم هذا الرجل على أحد الميادين بالقاهرة!

ولم يكن صاحبنا هذا فريداً من نوعه بين الأشاوس العرب. كان هناك أشوس آخر يقوم منذ سنوات بعيدة باستضافة مؤتمرات القمة العربية ومؤتمرات المؤتمر الإسلامى فى بلده. وكان على استعداد للدخول فى خصومة مع من ينازعه من السادة الحكام فى استضافة هذه الاجتماعات على أرضه ويصر على عقدها عنده هو!

وكان الظن وقتها أن هذا الإصرار راجع إلى فرط وطنية وفيض مشاعر عروبية إسلامية جياشة من الرجل الذى كان يطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين!

لكن تمر الأيام ويكشف الإسرائيليون فى وثائقهم عن أن الفارس المغوار كان يقوم بنقل وقائع الاجتماعات بالصوت والصورة إلى أصدقائه فى تل أبيب، وأن فريق عمل فنى من جيش العدو كان يحضر فى كل مرة من أجل تجهيز القاعة وإعداد الكاميرات وأجهزة الصوت.

والآن بعد أن قام الإسرائيليون بكشف هذا الرجل الذى عمل فى خدمتهم كما كشفوا زميله.. ألا ينبغى أن تقوم مصر بتكريمه وإطلاق اسمه هو الآخر على أحد ميادينها أسوة بزميله الواشى الذى كاد يجهض النصر العسكرى اليتيم الذى عرفناه فى حياة مليئة بالهزائم والنكبات؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف