المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
الروس قادمون.. ماذا عن العرب؟
فجأة، ودون سابق اتفاق، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية سحب خبرائها العسكريين من السعودية، تحديداً المشاركين فى حربها على اليمن، وذلك فى إطار وضع حد للتورط هناك، خصوصاً بعد سقوط عدد كبير من المدنيين خلال الأيام الأخيرة، حسب تصريحات عسكرية أمريكية.

وحتى لا يتصور أحد أن الضمير الأمريكى استيقظ فجأة، فقد أبقت واشنطن على أربعة خبراء فى غرفة العمليات المشتركة، بينما سحبت نحو ٤٠ آخرين، فى الوقت الذى قال فيه المتحدث باسم البنتاجون: إن الناقلات الجوية الأمريكية، سوف تواصل تزويد الطائرات السعودية بالوقود فى الجو، وذلك على الرغم من مقتل نحو ٦٥٠٠ شخص هناك، منذ بدء العدوان، قبل ١٦ شهراً، أكثر من نصفهم من المدنيين.

المثير للانتباه أنه مع هذا الإعلان الأمريكى، جاء إعلان الناطق الروسى باسم أسطول المحيط الهادئ: إن فرقاطة «ياروسلاف مودرى» الحربية غادرت ميناء چيبوتى، إلى خليج عدن، لبدء مهمة مكافحة القرصنة هناك- على حد قوله- وذلك فى الوقت الذى وصلت فيه إلى مطار همدان الإيرانى طائرات روسية قاذفة، من طراز (تو- 22 إم 3) للمشاركة حسب وسائل إعلام روسية، فى توجيه ضربات إلى مواقع تنظيم «داعش» فى سوريا.

إرسال الفرقاطة الروسية إلى خليج عدن جاء بالتزامن مع دعوة وزارة الخارجية الروسية إلى إجراء تحقيق دقيق فى الضربات الجوية، التى قام بها التحالف العربى، ضد المواقع المدنية فى اليمن، وقالت ماريا زاخاروف، المتحدثة باسم الخارجية الروسية: نؤكد مجدداً أن استخدام القوة العسكرية ضد السكان المدنيين، والمواقع المدنية، غير مقبول بتاتاً، ندعو لتحقيق شامل، فى مثل هذه الانتهاكات للقوانين الإنسانية، واتخاذ التدابير الكافية لمنع تكرار ذلك فى المستقبل.

فى الوقت نفسه، انطلقت القاذفات الروسية من مطار همدان الإيرانى، موجهة ضربات مكثفة إلى مواقع تنظيمى داعش وجبهة النصرة بسوريا، فى محافظات حلب ودير الزُّور وإدلب، بينما قامت مقاتلات من طراز «سو 30 وسو 35» من قاعدة حميميم السورية، بمرافقة القاذفات الروسية أثناء أداء مهمتها، بعد تدمير مستودعات أسلحة ومحروقات، إضافة إلى ٣ مراكز للقيادة، فضلاً عن عدد كبير من المسلحين، حسب بيان رسمى روسى.

ما الذى يجرى فى المنطقة، وإلى ماذا يمكن أن تُفضى هذه التحولات، وإلى ماذا يهدف الانسحاب الأمريكى التدريجى، وإلى ماذا يهدف الوجود الروسى المكثف، هل نحن أمام إعادة ترتيب سياسية للأوراق وللجغرافيا، أم أنها طائفية بحتة، أم هما معاً، أعتقد أن التحالف الجديد أصبح واضحاً، بدون أى طرف عربى، تحالف «روسيا- إيران- تركيا» أصبح أكثر وضوحاً وفاعلية، ذلك المحور يضم الأطراف العربية فى القائمة الثانية المفعول بها، قائمة العراق وسوريا واليمن وحزب الله بلبنان، ومن والاهُم من شيعة الخليج، وذلك على الرغم من الموقف التركى من النظام السورى، بعد أن أخذ فى التراجع، والتحلل من التحالف مع السعودية، فى أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة هناك، مع اتهامات لأطراف عربية بالضلوع فيها، ونتيجة أيضاً للمصالحة مع روسيا.

أين أموال النفط الخليجية من كل ذلك الذى يجرى، أموال السعودية والإمارات تحديداً، بالتأكيد قطر تشعر بسعادة بالغة، البحرين لا حول لها ولا قوة فى ضوء هذه الصراعات الكبرى، الكويت قد تقدم بعض المساهمات إحراجاً من السعودية، سلطنة عمان كعادتها تقف على الحياد، التعويل على مصر لن يكون مجدياً فى ظل هذه الظروف الاقتصادية والسياسية، ربما كان ذلك أحد أسباب الخلاف الحالية مع الرياض وأبوظبى، وليس كل الأسباب، ناهيك عن أن الرأى العام فى مصر لا تعنيه الخلافات الطائفية، إلا قليلاً من المتشددين الوهابيين، بالتالى فإن الأمر لا يندرج تحت وعد «مسافة السكة»، ناهيك عن أن الرأى العام يدرك أيضاً إلى أى مدى يتعلق الأمر بأنظمة، على شفا جرف هار، ولا يتعلق أبداً بمصالح الدول، ولا مستقبل الشعوب.

من هنا كان الحديث عن لقاءات سعودية- إسرائيلية، وعلاقات إماراتية- إسرائيلية، ومناورات عسكرية مشتركة، استضافتها ولاية نيڤادا بالولايات المتحدة مؤخراً، وضمت باكستان والإمارات إلى جانب إسرائيل، بينما كان الحديث واضحاً حول دخول إسرائيل كطرف أصيل، فى الاتصالات السرية التى سبقت إعلان مصر تنازلها عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة السعودية، وما إلى ذلك من محاور إسرائيلية مع الأردن وأطراف لبنانية وفلسطينية، وغير ذلك من مواقف عربية جديدة وغريبة فى المحافل الدولية، فيما يتعلق بإسرائيل، مع تراجع أولوية الصراع العربى- الإسرائيلى، فى الأچندة العربية بصفة عامة.

كل ذلك يدعونا إلى السؤال: هل يعتبر بعض العرب إسرائيل رأس الحربة مستقبلاً، فى صراعهم مع إيران، هل يمكن القبول بذلك على المستوى الشعبى، هل تستطيع الميديا الإعلامية الترويج له إن آجلاً أو عاجلاً، إلى أى مدى يمكن القبول بإسرائيل كصديق، وإيران كعدو؟، السؤال الأهم هو: هل يمكن أن تواجه إسرائيل الوجود الروسى فى المنطقة بأى شكل من الأشكال، هل يمكن أن تفتعل أزمة من جديد مع تركيا العضو بالناتو، هل يمكن أن تدخل فى صراع حقيقى مع إيران؟.. إنه الوهم العربى، أو التغييب العربى، أو العمالة العربية، أو سمها ما شئت.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف