كَثُر الحديث فى الآونة الأخيرة حول تراجع شعبية الرئيس من عدمه، استطلاعات رأى، تكهنات، توقعات، قراءات، كلها تتحدث عن تراجع، إلا أنها تختلف فيما بينها على الحجم أو النسبة، قد يكون الهوى الشخصى هو الغالب على معظمها، الاستطلاعات فى مجتمعنا بصفة عامة لم ترْقَ إلى المستويات العالمية، سواء من حيث النضج، أو الدقة، أو حتى التجرد، على الأغلب يرفض الناس المشاركة لأسباب كثيرة، الخوف قد يكون أهمها، يصل رفض المشاركة إلى ما يزيد على 50% أحياناً فى أوساط المستهدفين، هم لا يثقون فى ذلك الذى يَسأل، قد يكون جهة أمنية، ما بالنا إذا كان السؤال عبر الهاتف، أو البريد الإلكترونى، ما بالنا إذا كان السؤال شائكا، كالحديث عن رأيهم فى الرئيس.
الجديد الآن هو القفز على الاستطلاعات المتعلقة بالشعبية، إلى أخرى تتعلق بأسباب التراجع، ما أوجه القصور، ما أوجه الإخفاق، ما الذى فعله، ما الذى لم يفعله، ماذا يريد الناس، جميعها أسئلة مطروحة للنقاش المجتمعى الآن على كل المستويات، وصلت الأمور إلى حد الحديث عن فترة رئاسية ثانية من عدمها، أهميتها وجدواها، الطرح جاء هذه المرّة من الداخل والخارج دفعة واحدة، تقارير صحفية خارجية أصبحت تدلى بدلوها فى الشأن المصرى بقوة، نظراً لأهميته إقليمياً ودولياً، البعض فى الداخل أصبح يتطلع إلى ذلك المنصب، هناك مَن أبدى رغبته بطريقة أو بأخرى، على الرغم من أن عامين يفصلانا عن ذلك المعترك.
جميعها أوضاع تدعونا إلى التوقف أمامها بقوة، تجعلنا على يقين بأن اللاحق ليس كالسابق أبداً، أستطيع الزعم أن الرئيس قد وجد دعما شعبياً فى بداية توليه المنصب، ربما هو الأعلى فى العالم، وصل إلى ما يزيد على 90%، الأسباب فى ذلك كثيرة، لسنا بصدد الحديث عنها الآن.
الأمر الآن أصبح يتعلق بعامة الشعب، أصبح يتعلق بوعود لم تُنفذ، أصبح يتعلق بقرارات ما كان يجب أن تخرج إلى النور، أصبح يتعلق بمشروعات غير مجدية استنزفت الدولة والمواطن فى آن واحد، أصبح يتعلق بمسؤولين ليسوا على مستوى المسؤولية، أصبح يتعلق بقرارات وخطط لا تتناسب أبداً ومستوى المرحلة، أصبح يتعلق بالكذب والخداع، أصبح يتعلق بتدهور الاقتصاد، بانهيار العملة، بارتفاع غير مسبوق فى أسعار السلع، بارتفاع كبير فى أسعار الخدمات، برواتب لا تناسب حجم تلك المتغيرات، بفساد واضح دون مواجهة حقيقية، بمحسوبية واستثناءات على كل المستويات.
الأهم من كل ذلك هو انعدام الشفافية، هو أن يعلم المواطن أخبار وطنه من الخارج، هو أن تتحدث وسائل الإعلام الأجنبية عن صفقات محددة دون أن تعلن الدولة عنها شيئاً، بل تنفيها أحياناً بأساليب مهترئة، هو ألا تتناسب هذه الصفقات مع أوضاع البلاد، لا اقتصادياً، ولا اجتماعياً، ولا حتى سياسياً، هو ألا تجيب الدولة عن أسئلة الناس، أين ذهبت أموالهم التى تم ويتم جمعها، أين ذهبت المعونات الخارجية، لماذا كل تلك القروض، وكيف سيتم سدادها، ما جدوى هذا أو ذاك المشروع من عدمه، لماذا الإسناد بالأمر المباشر إلى جهة ما دون غيرها، لماذا الإصرار على استمرار المسؤولين الفاشلين أو المشبوهين، لماذا الإصرار على استمرار غير المدنيين فى الوظائف القيادية المدنية؟
أتصور أن الأوضاع لو استمرت بهذه الوتيرة، خلال العامين المقبلين، فإن الاستطلاعات مهما كانت موجهة، فلن تستطيع المقاومة، لن تستطيع أبداً تجاهل اتجاهات الشارع، لو دققنا النظر الآن فسوف نجد أن عملية الهروب من المركب أصبحت تسير بوتيرة متسارعة، خاصة بين أولئك الذين حملوا على عاتقهم يوما ما الدفاع عن النظام بكل سلبياته، هى الحاسة الأمنية لدى هؤلاء الذين اعتادوا مثل هذا السلوك، لا يعنيهم لون المركب ولا حجمه ولا طبيعته ولا حتى مَن يمتلكه، الحديث أصبح مختلفاً الآن من وجوه كثيرة، ما بالنا بعد مرور عام أو عامين، بالتأكيد الصورة واضحة، لا تحتاج إلى تفصيل.
كشف الحساب أيها السادة يجب أن يعترف بالأخطاء، لا يجب أبداً الاستمرار فى تجميلها، لا يجب أبداً تكرار نفس الأخطاء، لم يعد ممكناً القبول بتصريحات خادعة، لن يكون ممكناً القبول بمزيد من ارتفاع الأسعار أو انهيار قيمة العملة، الحديث عن الإفلاس يمكن أن يقضى على البقية الباقية، ما بالنا بإعلان الإفلاس رسمياً، هو الحجز على أموال وممتلكات الدولة بالخارج، هو مصادرة أرصدة المواطنين بالداخل، هو ما سيصل بالمركب إلى قاع المحيط، أى استطلاعات مشبوهة، وأى تصريحات خادعة، وأى لجان إلكترونية مأجورة، جميعها لن تجدى نفعاً.. الاعتراف بالفشل أولى مقدمات الإصلاح، لنبدأ مرحلة ما بعد التغييب إن أردنا النجاة، مرحلة الشفافية، لتكون نقطة البدء.