المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
مخاطر تزايد الدين الداخلى
العالم كله يقترض. الغنى قبل وأكثر من الفقير. وهذا ينطبق على الدول، وعلى الأفراد. حتى إن الولايات المتحدة تقترض، سواء من السوق الداخلية، أى من مواطنيها وبنوكها وشركاتها، أو من السوق الخارجية. وبالمليارات.. وما أذون الخزانة الشهيرة فى أمريكا إلا أحد مظاهر هذا الاقتراض. والطريف أن كثيراً من الدول الأجنبية لا تتقدم بالفائض من أموالها لشراء هذه الأذون - رغم تدنى فوائدها - إلا لأنها مضمونة، فالحكومة الفيدرالية الأمريكية تضمن سداد هذه الأذون، ولهذا نجد معظم الدول المصدرة للبترول - وبالذات بعد الطفرة البترولية عقب حرب أكتوبر 1973 - وفى مقدمتها: السعودية وإيران والعراق.. ودولة الإمارات العربية والكويت وقطر.. وكذلك كانت ليبيا.

وحديثاً لن تصدقوا أن الصين - الشعبية أو الشيوعية - من أكبر المودعين والمشترين لأذون الخزانة الأمريكية.. بل هى حكومة ومستثمرين من أكبر المستثمرين داخل الولايات المتحدة.. وبالتالى لا خوف على الاقتصاد الأمريكى من تصاعد أرقام الدين الخارجى، طالما الاقتصاد الأمريكى قادراً على السداد، سواء فوائد هذه الديون عندما يحل موعد سدادها أو على أصل الديون.. وكذلك الوضع فى الديون الداخلية هناك، ولذلك فالبنوك الأمريكية من أكبر البنوك فى العالم.. ولا يهم أن يتعثر مستثمر.. لأن كل ذلك محسوب مادام بنسبة محدودة.. ومعلومة، بل ومحسوب معدل الخسائر فيه.

وليست أمريكا وحدها هى المقترض، بل هناك العديد من الدول الاقتصادية الكبرى تقترض.. ولكن لا خوف عليها ولا على أموال المقرضين، طالما أن هذا الاقتصاد قادر على السداد.

ولكن الوضع عندنا مختلف.. إذ مازال بعبع القروض الأجنبية التى حصل عليها الخديو إسماعيل مسيطراً على العقلية المصرية، وعلى الذاكرة الوطنية، ولكننى أرى الخطورة فى الديون الداخلية أكثر من الخارجية، وقد اعترف الرئيس السيسى أخيراً بأن الدين الداخلى تضاعف مرات عديدة، بل ووصل إلى 97٪ من إجمالى الناتج القومى، هنا تكمن الخطورة.. إذ بسبب زيادة الرواتب بسبب الضغوط عامى 2011 و2012 ارتفع الدين الداخلى من 800 مليار جنيه إلى 2300 مليار، ثم إن الدولة اضطرت إلى تعيين 900 ألف شخص فى الحكومة، دون حاجة حقيقية لهم، وهذا أدى إلى زيادة الرواتب من 90 مليار جنيه إلى 220 ملياراً، بعد ثورة 25 يناير.. ونعترف هنا بأن مخاطر وسلبيات الثورات، أكثر من إيجابياتها.. والكارثة أن هذه الزيادات ترتب أعباء على الدولة، بسداد فوائدها.. فضلاً عن عجزها عن سداد قيمة الديون نفسها، وهذه وتلك تلتهم الحصة الأكبر - مع الرواتب - من موازنة الدولة.

وربما نخشى من مغبة قيام الدولة - عند الحاجة - إلى طبع كميات كبيرة من النقود، حتى تستطيع الوفاء بما هو مطلوب منها لأن كل المساعدات الخارجية، وبالذات من الأشقاء، لن تستطيع أن تلبى كل المطلوب للرواتب.. أو لسداد فوائد الديون.

■ ■ وإذا كان البعض يخشى من التضخم.. فقد حدث هذا التضخم بالفعل وانتهى الأمر.. ومازلنا نتذكر كيف استولت الحكومة على أموال التأمينات، وهى فى الأصل أموال اليتامى والأرامل والعواجيز، حتى وإن كانت تدفع أحياناً فوائدها، ولكن الكارثة هى أن مطالب الحكومة تتزايد، بينما لا يزيد الإنتاج القومى بنفس معدل زيادة الإنفاق لنقول إن عائد هذا الإنتاج قادر على تغطية الفوائد.. ودعونا الآن - للأسف - من إمكانيات سداد أصول هذه الديون، وهذا هو ما يخيف.

■ ■ والعقلاء يرون أن تتوزع أعباء هذه الديون وخدمتها على أكثر من جيل.. ولا يتحملها الجيل الحالى وحده، بل ويقول البعض إنه مادامت الدولة قررت تخفيض ما تتحمله من دعم للخدمات.. فإنه من العدل أن يتم خصمه تدريجياً على نفس فترة السنوات الماضية منذ بدأت الدولة تقدم هذا الدعم. وهذا كلام منطقى.. ولكن هل تتحمل الدولة طول سنوات الانتظار هذه،.. تلك هى المعضلة.

■ ■ ولكن يظل بعبع أحداث 18 و19 يناير 1977 مسيطراً على سلوك الدولة فى محاولاتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. فهل تصمد الدولة.. أم هل يتحمل الشعب.. أم كلاهما معاً؟! الجواب عند من يعرف الحقيقة شديدة المرارة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف