حمدى الكنيسى
تحرك مهم.. في غياب الإعلام واختفاء الوزير
لو كان الإعلام واعياً ويقظاً لأبرز تلك الجوانب والأبعاد الخاصة بالتحرك المصري الذي ينطلق من قاعدة قومية معروفة ويتسم بالموضوعية المجردة التي أنقذت لبنان قبل ذلك
لو كان الإعلام المصري والعربي يرتفع إلي المستوي المهني والوطني والقومي بما يتفق مع حجم انتشاره وقوته الهائلة، لكان قد تابع وحلل وأبرز جوانب وأبعاد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية »سامح شكري» إلي لبنان وامتدت علي مدي ثلاثة أيام التقي خلالها الرجل متحدثاً باسم مصر مع جميع أطراف النزاع والخلافات الحادة الخفية والعلنية. لكن إعلامنا المصري والعربي لم ينتبه وغاب دون أن يدرك معني ومغزي التحرك المصري المهم.
لم ير الإعلام مدي وعمق اختلاف الدور المصري عن أدوار العديد من القوي التي تتحرك في لبنان وتتعامل مع الدولة الشقيقة من منظور واحد دون غيره، فتؤازر - وربما تحرض- هذا الطرف او ذاك مما أربك لبنان وأشعل المزيد من الخلافات والحساسيات حتي صارت تقف علي حافة الانهيار والحرب الداخلية التي لن تبقي ولن تذر هذه المرة.
ولعل ما يجسد هذا المصير الخطير الذي تواجهه لبنان هو أزمة الفراغ السياسي وغياب القرار الرئاسي علي مدي سنوات ليغيب معه التوازن والتماسك في مواجهة أشرس التحديات والمؤامرات.
لو أن الإعلام المصري والعربي كان لديه الوعي المهني والوطني والقومي لكان قد كثف من تغطيته للزيارة واللقاءات موضحاً ما للدور المصري من خصوصية وتاريخ قومي حيث يتميز بأنه يتعامل مع لبنان كشعب واحد وأمة واحدة بهدف الوصول إلي العيش المشترك لجميع الأطراف المتنازعة التي استهلكت طاقاتها وطاقات الدولة في التقوقع داخل الأغراض والأهواء الحزبية والطائفية والفئوية والشخصية، كما استجابت لإيحاءات وإملاءات وتحريضات مكشوفة وملعونة. ولقد كان من الطبيعي أن يستغل (الإرهاب) الساحة اللبنانية الممزقة ليتحرك فيها كما يشاء، حتي إن الوزير (جبران باسيل) يكاد يصرخ قائلاً: إن لبنان يواجه الإرهاب وتوابعه بـ»لحمه الحي»، ويتحمل نزوح مليون ومائتي ألف سوري إليه بما يمثله ذلك من تأثير اقتصادي وديموجرافي خطير، ويدفع الثمن الباهظ للتجاذبات والاستقطابات المختلفة.
لو كان الإعلام واعياً ويقظاً لأبرز تلك الجوانب والأبعاد الخاصة بالتحرك المصري الذي ينطلق من قاعدة قومية معروفة ويتسم بالموضوعية المجردة التي أنقذت لبنان قبل ذلك مما يجعله من هذا التحرك الجديد نقطة تحول في مسار الأزمة اللبنانية الخانقة وهذا ما بدا واضحاً في زيارة الأيام الثلاثة واللقاءات العديدة التي أجراها سامح شكري مع قادة ورموز كل الأطراف حتي مع من كانت له مواقف مرفوضة مع مصر.
وقد يقول قائل متشككاً -وله الحق- هل يثمر هذا التحرك المصري نتائج سريعة تخرج بها لبنان من دوامة الصراع والضياع؟ وأقول له: يا عزيزي تأكد أن عودة الدور المصري إلي المعادلة السياسية اللبنانية العربية إن لم تحقق نتائجها المرجوة بالسرعة المنشودة فإنها -علي الأقل- قد حققت -مبدئياً- رفع معنويات الأشقاء في لبنان لشعورهم بأن دولة عربية كبيرة تقف بجانبهم مجردة من الأغراض والأهواء، وستواصل -كعادتها دائماً- مساعيها المخلصة الصادقة إلي أن تستقيم الأوضاع وتجتمع كل القوي والأطراف علي كلمة سواء خاصةً مع ما أبداه من التقي بهم سامح شكري من تفهم واستعداد وتقدير واضح لجدية وموضوعية الدور المصري.
أخيراً قد يتساءل البعض لماذا أربط بين غياب الإعلام واختفاء الوزير؟ وأقول أنا لهم: لو أن وزير الإعلام كان حاضراً بالمفهوم الذي أشرت إليه في مقالي السابق لكان قد حرك فوراً ماكينة الإعلام الواعي داخلياً وعربياً ودولياً بما يبرز تماماً التحرك المصري الذي تستعيد به مصر دورها المحوري كما أنه كان يمكن أن يقنع وسائل إعلام عربية التزمت ما يشبه الصمت لسببٍ أو لآخر بأن الدور المصري لا يلغي أدواراً عربية سابقة، بل يطورها ويضيف إليها بما يؤدي في النهاية إلي إنقاذ الشقيقة لبنان من المصير الخطير الذي تواجهه الآن سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال، والذي يتربص ويتحفز للانقضاض علي جميع الدول العربية دون أي استثناء خاصة أن لبنان بطبيعة تكوينها مهيئة لتكون فريسة سهلة للمخطط إياه ومن ثم فإن سقوطها السريع والمدوي سوف يغري ويشجع الأعداء في استكمال عملية التمزيق والتفتيت للأمة العربية جمعاء.