عباس الطرابيلى
ربط الأجور بالإنتاج.. أم الإنتاج بالأجر؟
ليس هذا العنوان تلاعباً بالألفاظ.. بل فيه تكمن عملية إنقاذ مصر.. أم تفشل.. ليه كده يا عم عباس هذه الكلمات الكبيرة.. ولكنها الحقيقة.. فإن كان الكل يطالب بربط الأجور بالإنتاج أملاً فى تحسين أوضاعهم المالية مع هذا الصعود الرهيب فى الأسعار وفى الغلاء، ليجد المصرى ما يأكله.. فإننى أرى ضرورة ربط الإنتاج بالأجور.. أى يحصل من يعمل على الأجر الذى يوازى حجم ما أنتجه.. وفى هذا تحسين لكل أوضاعنا الاقتصادية.. بالذات عندما نجد أن هناك من يحصل على أجر دون أن يقدم إنتاجاً يستحق عليه أجراً.. وتلك مأساة مصرنا الحديثة.. يعنى إيه الكلام ده.
كان متوسط رواتب العاملين بالدولة حوالى 90 مليار جنيه.. زادت بعد ثورة يناير إلى 220 مليار جنيه، فهل زاد إنتاجهم الفعلى بنفس زيادة الأجور والرواتب.. أشك كثيراً، خصوصاً أن معظم زيادات الرواتب جاءت نتيجة اعتصامات وإضرابات واحتجاجات.. حتى قيل من لم يحصل على أى شىء - أيامها - لن يحصل على أى شىء.. مطلقاً!! بل وانطلقت هذه الأفكار إلى شركات ومصانع القطاع الخاص والاستثمارى.. حتى هدد بعض رجال الأعمال بإيقاف العمل بمصانعهم.. بالذات عندما طالب العاملون بحصص من الأرباح عن السنة القادمة «!!» التى لم يعملوا فيها، ولا أحد يعلم إن كانت سوف تربح أم لا.. وكان ذلك قمة الفوضى.
أقول ذلك وأنا مع حصول العمال على الأجر الذى يلبى طلباتهم ولكن بشرط أن يكونوا قد قدموا إنتاجاً يسمح بذلك.. وإلا فإن صاحب رأس المال سوف يدفع من أصل ماله ليلبى هذه الطلبات. وهذا من أهم أسباب تعثر آلاف المصانع فى أنحاء مصر.. وهنا نعترف بأن الزيادة فى الأجور - فى كل القطاعات - لم تقابلها زيادة تذكر، أو بنفس المعدل الذى زادت به الأجور.. فاستدانت الحكومة.. بل وأعتقد أنها اضطرت، مكرهة، إلى طبع البنكنوت لتغطى تصاعد هذه المطالبات.. التى أراها طبيعية لمواجهة موجات الغلاء.. ولكن المصرى نسى المقولة الشعبية «القفة أم ودنتين.. يشيلها اتنين»، ولكن يد الحكومة وحدها هى التى «تشيل»، بينما يد العاملين تمتد فقط لتطلب.. ثم تطلب.. وأصواتهم تزداد ارتفاعاً.. بل وعنفاً. والخوف من هذا العنف.
وأعرف مدى معاناة الدولة.. فالرئيس يريد - حقاً - رفع مستوى الأجور وأحوال الناس. لأن الذين اختاروه توقعوا ذلك.. ولكن كلمة الحكومة تعنى التى تحكم إدارة.. أو تتولى إدارة ما تحت أيديها من أموال.. تمنح عندما تتيسر الأحوال.. و«تضرب معاها لخمة» عندما تجد عجزاً فى هذه الأموال أو الموارد.. ولو جئتم بأعظم رجال المال والأعمال فى الدنيا.. سوف يهربون عندما يعرفون الحقيقة. وبالتالى ليس أمامنا إلا كثيراً من التقشف.. ولا تقولوا شد الحزام.. بعد أن انقطع الحزام نفسه، وليس أمامنا أى حل آخر.. و«تعب مرة.. ولا كل مرة».
■■ من هنا يأتى كلامى عن ربط الإنتاج بالأجور. أى تعطى الدول للفرد بقدر ما ينتج. تزيد أجره.. إذا زاد إنتاجه.
طيب بلاش.. تعالوا نقسم البلد بلدين.. يعنى يحصل العامل على نصف أجره الذى اعتاد عليه.. ولكن النصف الآخر نربطه بإنتاجه.. نزيد أجرته.. كلما زاد إنتاجه.. ونخصم منه إذا انخفضت إنتاجيته.. بشرط ألا يكون هو نفسه مسؤولاً عن انخفاض هذا الإنتاج.. لنحقق العدالة.. وكل شىء بالنقاط حتى لا نظلم أحداً.. وليس فقط بنظام الحضور والانصراف، أى بعدد الساعات التى يمضيها الواحد داخل موقع العمل، فما يجرى داخل دواوين الحكومة مهزلة.. فإذا عمل الواحد ساعة واحدة فى اليوم.. دعونى أقبل يديه الاثنتين معاً.
■■ هنا تصبح النظرية هى نظرية إنتاج حقيقى.. فى المزرعة وفى المصنع.. وفى دواوين الحكومة.. والكارثة فى جيش الموظفين بالمحليات. إذ تجد العمل الذى يقوم به واحد.. تجد جالساً - بلا أى عمل فيه- 50 موظفاً، وهنا لا أقول بتسريح كل هذا الجيش الذين يتقاتلون ليلتحقوا به طمعاً فى مزاياه.. وما يحصلون عليه، تحت الطاولة، أو فى الدرج الشمال. والحصيلة غير النظيفة هذه أضعاف أضعاف الراتب «الرسمى» الذى يحصل عليه.
■■ لا أقول بتسريح هذا الجيش المدنى بالمحليات، ولكن بإعادة تأهيله حتى ولو حولناه إلى مزارعين فى الأرض الجديدة.. فضلاً عن عدم تعيين أى عاملين جدد بالقطاعات الحكومية كلها.
وتلك روشتة أولية للإنقاذ!!