بعد قيام الثورة الإيرانية واستيلاء الثوار على الحكم، وجد الشاه نفسه وحيداً بعد أن تنكّر له حلفاؤه وخشى الجميع من قبوله لاجئاً لكى لا تتأثر علاقتهم بالحكام الجدد. وكان بعض الواهمين يتصورون أن الولايات المتحدة التى قدم لها الرجل خدمات جليلة حين كان رجلهم القوى بالمنطقة ستؤويه وتمنحه اللجوء السياسى، لكن خاب أملهم بعد أن تغلبت البراجماتية السياسية على رومانسية الحالمين وتم رفض استضافته فى الولايات المتحدة بشكل قاطع. والمفارقة العجيبة أن يكون للأمريكان هذا الموقف العملى البارد الذى يعتد فقط بالمصالح، فى الوقت الذى يقوم فيه الرئيس السادات فى حركة شهامة لا مبرر لها بالموافقة على استضافة الرجل بمصر!. وكانت الحجة أن الشاه وقف إلى جانبنا فى السابق ولابد من رد الجميل له!. هذا وقد فشل شعب مصر فى التعرف على أى من الجمايل والأفضال التى كانت لهذا الرجل، والتى يبدو أنها كانت مشفّرة فلم يرها أحد!.
ووجه الغرابة لا يتمثل فقط فيما يحمله القرار من تحدٍ للشعب الإيرانى الذى خلع الشاه، ومعاداة للنظام الجديد، وإنما أيضاً فى أن الشاه لم يكن فى يوم من الأيام صديقاً للعرب بل كان طول الوقت حليفاً ونصيراً لإسرائيل، والجميع يعرف أن وقود الطائرات والدبابات التى قصفت مصر وقتلت المصريين فى كل الحروب مع إسرائيل كان وقوداً إيرانياً!.
فى ذلك الوقت لم يترك الشاعر أحمد فؤاد نجم هذا الموقف يمر دون أن يضع بصمته عليه، فكتب واحدة من أطرف قصائده السياسية التى غناها رفيق دربه الشيخ إمام، وكانت تصف نذالة الرئيس الأمريكى كارتر عندما تخلى عن صديقه الإمبراطور رضا بهلوى. وكان الرئيس الأمريكى وزوجته والشاه وزوجته قد قاموا بقضاء سهرة رأس السنة قبل أسابيع قليلة من قيام الثورة معاً فى القصر الإمبراطورى بطهران، وحملت كبرى الصحف ووكالات الأنباء صوراً لهم وهم يتبادلون الأنخاب ويراقص كل منهما زوجة الآخر. كتب أحمد فؤاد نجم تحت عنوان «يا كارتر يا ندل»:
يا كارتر يا ندل.. حبيبك وصاحبك وصاحب مراتك.. وتبقى انت صاحبه وصاحب مراته.. وكان والده أيضاً مصاحب حماتك.. كمان برضه والدك مصاحب حماته..
وطول عمره نافذ على استخباراتك.. وشغّال جاسوسك على استخباراته. .
وقاعد يزوّد رصيد ملياراتك.. وسارق وشايل معاك ملياراته..
وراجل مآمنك وخاين ضميره.. وخايف وحاطط فى إيدك مصيره..
ودابح فى حبك ألوف الضحايا.. ودايس فى طين الدنس والخطايا..
يقوم لما يطبق عليه المحيط.. تطنّش يا كارتر وتعمل عبيط..
وتخلع وتنسى الحمار والغبيط. وتاكل عيالك بدون أى عدل..
صحيح انت ندل.
نجحت الأغنية فى ذلك الوقت وحققت دوياً كبيراً وصارت على كل لسان، كما استغلتها أبواق السلطة فى الترويج للقرار العجيب باستضافة الشاه باعتباره قراراً إنسانياً شجاعاً يجافى النذالة التى أحاطت بالرجل من كل جانب. غير أن الشاعر المتمرد الذى لم تعجبه نذالة كارتر لم تعجبه أيضاً شهامة السادات وكانت له فى الأمر قصيدة جديدة تحتاج لحديث آخر.