الأهرام
السفير محمد حجازى
إستراتيجية إعلامية لمواجهة الضغوط الخارجية
تتعرض مصر فى الفترة الحالية ومنذ ثورتها فى 30 يونيو لضغوط سياسية وإعلامية ممنهجة، تمارسها دول ومنظمات مختلفة، وتستخدم من بين أدوات الضغط وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث لتحقيقها، وتستهدف الحيلولة دون قيام نظام وطنى مستقل يحول دون تنفيذ مخططات إقليمية مشبوهة، ومن أسباب زيادة الضغوط تبنى هذا النظام الوطنى خططا إصلاحية داخلية وعملية بناء اقتصادى وعسكرى تبعد مصر عن دوائر النفوذ والسيطرة الغربية، وتعيد للمنطقة العربية تماسكها وتفشل مخطط التقسيم ومخطط تمكين تيارات أيديولوجية بعينها.

وتتعدد أطر وأدوات الضغط والتأثير فبعضها اقتصادى كتناوب منع السياحة الوافدة، أو تحجيم التدفقات الاستثمارية الخارجية وتقليلها لأبعد حد، وسياسية من خلال استغلال بعض الملفات الداخلية كملفات الحريات وحقوق الإنسان، والضغط على أوتار داخلية حساسة كملف الأقباط والوحدة الوطنية، حتى ملف علاقات مصر المائية نفسه.

وتعد الهجمة الشرسة للإرهاب السلاح الأخطر الذى يستخدم ضد مصر حاليا لتقويض دعائم نظامها السياسى القائم، والنيل بصفة خاصة من الأجهزة الأمنية وإشغال القوات المسلحة، لترك المجتمع نهبًا للتدخلات الخارجية وإضعاف دروعه وركائزه. والمؤكد أن المسار السياسى الراهن فى مصر والالتفاف الشعبى حول القيادة السياسية، أفشل الكثير من تلك المحاولات - المستمرة - فتم تبنى خطط تنموية عملاقة (قناة السويس الجديدة - مشروعات طرق كبرى 7 آلاف كيلومتر - ريف جديد قوامه مليون ونصف المليون فدان العاصمة الادارية الجديدة وبناء ثمانية أنفاق عبر قناة السويس لربط الوادى بسيناء) وغيرها.

والأهم كذلك تبنى تشريعات وسياسات اقتصادية إصلاحية صعبة جادة منها الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولى والقوانين المنظمة للاستثمار وتملك الأراضى المنتظر صدورها وغيرها.

زادت تلك الإنجازات من الضغوط الخارجية الواقعة على الاقتصاد المصرى واستمرت الحملات الإعلامية المضادة ، وتصاعدت حدتها كلما تزايد حجم الإنجاز لاسيما وان مصر باتت مرشحة لأن تصبح فى المدى المنظور قوة إقليمية مؤثرة. وبات واضحا أن مصر المستقرة التى تسعى لبناء اقتصاد المستقبل، الرائدة فى منطقتها الساعية لاستعادة استقرارها ولحمتها، المنفتحة على قارتها الإفريقية وعلى محيطها العربى، المؤمنة بالمسار المدنى لمجتمع عصرى حديث أساسه المواطنة، هو أمر تراه قوى خارجية مضادًا لها ولمشروعها التقسيمى الطائفى المستند لتيارات عقائدية مرفوضة محليا وإقليميا، وثبت خطرها وصلاتها بالتنظيمات الإرهابية المتطرفة

بعد هذا الاستعراض للاطار العام المتوجب فهمه للتعرف على أبعاد الحملة الإعلامية المضادة وأسبابها، فإنه بات من الضرورى وضع خطة إعلامية علمية مدروسة للتعامل مع الإعلام الغربى، والتواصل مع باقى الدول والمناطق فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على السواء، فالهدف أشمل ومرتبط بصورة مصر عموما.

فتتضمن إستراتيجية مواجهة الإعلام الغربي، توظيف مختلف الوسائل والأدوات الإعلامية، ووسائل البحث، والتواصل الاجتماعى، والاتصال المباشر وغيرها من الأدوات، لنقل رسالة عن مصر، متماسكة ومنظمة وهادفة، لا تتعامل برد الفعل أو التعليق على الموقف أو الحدث، بل تمتد لبناء صورة ذهنية حضارية عن مجتمع ساع نحو التقدم والبناء الاقتصادى والسياسى والاجتماعى.

- يجب أن نحدد الأهداف قصيرة الأجل لتحقيق أهداف الإستراتيجية الاعلامية المنشودة، ثم على المدى المتوسط، والمدى البعيد، كما نحدد الجمهور المستهدف وتجمعاته الجغرافية، وشركاءنا من الدول الشقيقة والمؤسسات المعنية للإسهام معنا فى تقديم رسائل إضافية تخدم صورة العرب والمسلمين وتشرح واقع الشرق الأوسط وقضايانا العربية، كما تحدد الاستراتيجية آليات التنفيذ، وسبل التواصل مع كل شريحة مستهدفة.

- ومن بين الأدوات الرئيسية المستخدمة لتحقيق أهداف الاستراتيجية الإعلامية، تعزيز مكانة ودور السفارات ومكاتبنا الإعلامية فى الخارج.

اما الاستراتيجية الموجهة للخارج وللغرب خاصة فيجب أن تصاغ فى رسائل ومواقف وزيارات وبيانات ومؤتمرات وندوات متنوعة، ويتم تحديد الشركاء المخاطبين بدءًا من المسئولين الرسميين سياسيين أو برلمانيين، ومراكز الفكر البحثى والأكاديمى، والكتاب، والمراكز المعنية بشئون المنطقة لتأثيرها على دوائر صنع القرار ببلادها ودعوة رؤسائها بشكل دورى لزيارتنا وترتيب لقاءات مؤثرة لتوضيح الصورة وفى جميع المجالات.

- كما يجب أن تتعدى استراتيجيتنا الإعلامية ما نستهدفه لمصر على أهميته وبوصفه الاساس، بأن يمتد جهدنا للإسهام مع الشركاء فى جهود تصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين.

- من بين أهم ركائز نجاح استراتيجية مصر الإعلامية، تطوير إعلام للدولة معنى بالدفاع عن مصالحها وشرح مواقفها وعرض إنجازاتها، فلا يوجد مشروع وطنى طموح وجاد ومستقل كمشروع مصر الحالى، دون إعلام دولة جاد يسانده، وعلى رأس الوسائل المتوجب الاستثمار فيها وتطويرها هى التليفزيون المصرى فى ماسبيرو، الصرح الكبير الذى يستطيع تقديم رسالة الوطن بفضل ما يملكه من كوادر وطنية مؤهلة ، وتشمل عملية تطوير إعلام الدولة إعادة تأهيل وهيكلة الهيئة العامة للاستعلامات وتعزيز وتحديث أدوات عملها، وإعادة هيكلة وبناء مكاتبها فى الخارج، وكذلك دعم الصحف القومية وتطويرها، وإطلاق التشريعات المهيئة لإطلاقها نحو تحقيق أهداف الوطن واستراتيجيتنا الإعلامية. ومن المهم ايضا تطوير مناهج إعلامية متخصصة داخل أكاديميات وكليات الإعلام مخصصة للإعلام الخارجى ولطالب يجيد اللغات ومدرك للأدوات الجديدة للتواصل وأسلوب استخدامها، كحل على المدى البعيد.

علينا أن نؤكد للغرب فى رسائلنا السياسية والإعلامية على السواء أن أمن واستقرار مصر هو أساس استقرار الشرق الأوسط كله وبالتبعية أساس للاستقرار فى أوروبا، وأن نجاح مصر هو نجاح لأوروبا، وأن أمتها ودعمها ونجاح اقتصادها سيكون عاملا على مزيد من الاستقرار فى أوروبا نفسها وأن مصر كحائط الصد الأول ضد الإرهاب هى مصلحة أوروبية ودولية أكيدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف