كانت أمي أطال الله في عمرها تعلمني أن أهتم بالجار وحفظ حقه في السكن بجوارنا.. فلا نخرج صندوق قمامتنا خارج شقتنا حتي لا يتأذي.. ولا نرفع صوت التليفزيون في حجرة المعيشة التي تلاصق غرفة نوم جيراننا.. ولا نرفع أصواتنا بالضحك أو الصراخ في البلكونة حتي لا نزعج أحدا.
كان المجتمع المصري يوصف حينها علي مستوي العالم بالمجتمع الدافئ.. فالعلاقات الإنسانية حقيقية وليست للاستهلاك الاعلامي والدرامي فقط.. نعم لم نكن أصحاب صناعة كاليابان ولا تجارة ولا نهيمن بفرض القوة العسكرية ولا نبلطج بتاريخ زائف كجارتنا الصهيونية ولا نتباهي بمال ورثناه عن الطبيعة.. كان شرفنا وعزتنا في حضارتنا التي صنعها الأجداد وخلقنا الذي نبتنا عليه كزرع أصله ثابت وفرعه في السماء.. كنا مشكاة الحضارات التي تنير بالحب والحنان والعطف والأخلاق.. هكذا تفردنا بين الأمم والشعوب.. اليوم وبكل الحزن والأسف.. أضعنا حضارة الأجداد وفسخنا روابطنا الحميمة وأصبحنا نجرف طوابق الأخلاق التي علت ذات يوم وناطحت السحاب.. بل أصبحنا علي جرف نساقط فيه طبقة بطبقة اجتماعية.. القاع الذي يتسع لتمتلئ به جثث ضحايا الانهيار الأخلاقي يزداد ويصبح مخيفا.
ودعوني انقلكم نقلة أخري.. من منا لا يتذكر شركة النصر للاستيراد والتصدير.. الشركة ذات الدور الهام والبارز في افريقيا في الخمسينيات والستينيات والتي لعبت دورا اقتصاديا جبارا لتواجدنا داخل القارة السمراء.. والتي اختارت سفراءها بكل عناية من خلال موظفيها الذين حفروا اسم مصر علي ترابها الأحمر وضحكتها البيضاء ووجهها الاسمر بلون ليلة صيف راقصة.. لعبت دورها الاقتصادي والسياسي والهام من خلال رجالها المخلصين الذين أداروها.. هذه الشركة التي فقدت دورها الآن في وقت نحن أمس الحاجة لوجودها وتدعيم العلاقة بهم ومعهم.. اليوم لا نتمكن من الفخر بها والسبب رؤساء لا يعنيهم تطويرها بل هدمها من خلال حروبهم الرخيصة ضد بعض.. فما أن يمسك أحد الأمناء بها مستندات فساد حتي يعقد مجلس الإدارة للطعن في شرف الزميل من خلال عمل ابداعي لزوجته.. وبدلا من قراءة كتاب عن فنون الاقتصاد وكيفية العودة لقوتنا التي فقدناها أخذ يقرأ مقتطفات ويضيف إليها من خياله المريض بذاءة تؤذي مشاعر زميله.. هذا النموذج هل يليق بنا وضعه علي رأس هرم شركة كبيرة كتلك؟! السؤال للمسئولين ونذكرهم بقصة الجاسوس السوفيتي الذي كانت مهمته تخريب وإفساد المكان الذي وكل به فقام بوضع عديمي الخبرة والفشلة والفسدة في الصدارة فقاموا هم بالمهمة تطوعا دون أجر فسقط الاتحاد السوفيتي بهذه الخدعة دون جهد!
نموذج آخر في نقابة الصحفيين حين أرادوا مهاجمة أحد الزملاء فوجدوا صحيفته نقية بيضاء.. فقالوا عنه يؤجر زوجته للرؤساء مقابل المناصب!!
أي بذاءة وانحطاط وأصبح مجتمعنا يجابهه؟ أي أخلاق اعشوشبت داخل المواطن المصري الذي كان؟!
نحن أمام كارثة تهدمنا.. الانحطاط الأخلاقي والبذاءة الفكرية واللفظية والتعامل بهمجية القرون والأزمنة التي ولت!! لن اسأل عن حضارتنا التي ميزتنا بل اسأل أين الأديان التي هذبتنا؟! من قال إن البذاءة سلاح.. ومن قال إن الوقاحة صراحة؟!
لابد أن نفكر كيف نأخذ الحقوق بالقانون وبقوة الحق لا بقوة الانحطاط الأخلاقي والاعتماد أن هذا السلاح يسكت الطرف الآخر الذي لا يجيد البذاءة والانحطاط ولا يتخذهما منهج حياة.. لابد من الخوف علي وطن إن ذهبت أخلاقه ذهبنا جميعا.. لابد أن نسد فجوة فعلها الخونة والفسدة والمنحطين لأنهم كبكتريا ضارة لن تعيش غير في مناخ عفن.. فتعمل علي افساد المناخ لتنمو.. لذا دعوكم لسد تلك الثغرات ولو بأرواحكم.. لتكن أرواحنا كحجارة الأهرامات ملتصقة ببعضها فلا يمر الهواء فيصبح البناء صلبا كأهرامات أجدادنا التي اعتلت بعضها بتفريغ الهواء فيما بينها فعاشت آلاف السنين.. افيقوا يا أصدقائي فسهل أن تورث ابنك عمارة أو أرضا أو رصيدا كبيرا في البنك ولكن مستحيلا ان تشتري له وطنا.. لذا وجب علينا أن نعمل علي توريثهم وطنا يليق بهم كما ترك أجدادنا هذا الوطن.. يجب أن نترك لهم ما يدفئ قلوبهم ويؤمن حياتهم.. دعوا لأحفادنا وطنهم ايها الاعداء الذين نحسبهم منا.