أشعر بالعجز الحقيقي أمام الموت والمرض.. فماذا يفعل الإنسان بكل قوته وجبروته. بكل ماله وجاهه. بشبابه وشيخوخته أمام ملك الموت أو أمام فيروس صغير لا يري حتي بالميكروسكوب العادي.. هي قدرة الله.. يطيل العمر أو "يقصفه".. يمنح الصحة أو يأتي الجسد بفيروس بسيط يكاد يفتك بأي إنسان مهما بلغت سطوته أو قوته.
نعم هذا كلام طبيعي. نشعر بعاديته لأننا تعودنا كل شيء.. الموت.. المرض.. العجز.. إلخ.. لكن غير الطبيعي أن يشعر المريض بتقصير من حوله في علاجه. والعلاج الآن أصبح في غير طاقة الغني.. فما بالنا بالفقير!!
تذهب لأي مستشفي تشعر أن كل الشعب المصري مريض.. تذهب للمقابر تجد الدموع انهاراً حتي إذا ما خرجت منها وجدت الكل قد انصرف لشأنه!!
المهم أخطر شيء تشعر به بالعجز أن أمامك إنساناً يطلب العلاج ولا يجد المال لشرائه. أو مصاباً بمرض يتطلب عملية جراحية ولا يجد من يتحمل تكلفة علاجه.
وأي مريض أو بالتحديد مصاب في حادث أو مصاب بمرض يتطلب دخولاً إلي مستشفي أو يلزمه عملية جراحية سيشعر بحجم المأساة.
في المستشفيات الخاصة أو الاستثمارية أو الأقسام الاقتصادية في المستشفيات الجامعية أو ما شابه ذلك سيجد المريض نفسه "نهيبة" أو غنيمة يتسارع الكل علي امتصاص دمها.. أسعار لا رقابة عليها ومغالي فيها. قائمة كبيرة بأدوية وتكاليف لا يعرف عنها شيئاً.. وعليه أن يدفع. ومقدماً وقبل أن يضرب الجراح ب"مشرطه" في جسد المريض..والكارثة أن المغالاة في أسعار العلاج في هذه المستشفيات تأتي بأثر عكسي عندما يجد المريض حتي لو كان "غنياً" أنه يتعرض لحالة "نصب" وهو في أشد حالاته "وهنا". وأنه تعرض لأقصي أشكال "الاذعان".. ولا مفر من القبول بالشروط المغالي فيها.
ومع ذلك إذا كان الإنسان قادراً علي دفع تكاليف علاجه في هذا النوع من المستشفيات "لشراء" الأمل في العلاج أو لشراء "عمره" أو ما تبقي منه بما يملكه من مال حتي لو كان بالاستدانة. فهو قادر علي سداد الدين اليوم أو غداً. فالمهم هنا هو علاج الداء ومعالجة الخلل.
لكن الكارثة الأكبر تكمن فيمن لا يملك مليماً وقد أصابه المرض.. أو من كان ميسوراً ثم تعرض لمأزق مادي جعله "يا مولاي كما خلقتني".. فماذا يفعل.
زيارة واحدة لمئات المستشفيات العامة تنبيء بالكارثة.. الشعار المرفوع ومنذ سنوات: "الداخل مفقود والخارج مولود".
والفوارق ليست كبيرة بين مستشفيات القاهرة والإسكندرية ومستشفيات الصعيد ووجه بحري.. لكن المأساة تكون بلا حدود لو كنت من سكان إحدي القري في أي محافظة من محافظات الجمهورية.. ببساطة مطلوب من المريض أن يدفع ثمن كل شيء من القطن والشاش الي ثمن أكياس الدم.. ولأن الكل تحول في هذا الزمن الي تجار أصبحت بعض المستشفيات. خاصة الجامعية إلي مكان يجري فيه بعض "الأساتذة" عملياتهم فيه بعد أن يقبضوا "الثمن" في عياداتهم.. يعني الدولة تدفع.. والبعض يقبض في جيبه.
ولأن المصريين أذكياء. فقد وافق البعض علي هذه "التجارة" لأنه ببساطة نص العمي ولا العمي كله.. فالمريض لا يستطيع دفع تكلفة المستشفيات الخاصة والاستثمارية طبعاً لكنه يستطيع دفع "الربع" للدكتور والباقي تدفعه الدولة!!
هل ما ذكرته جديد علينا؟.. أشعر بالسؤال يتردد في ذهن من قرأ هذه الكلمات.. الكارثة أنه لم يعد جديداً في مضمونه لأن التعود عليه هو أم الكوارث.
أم الكوارث أن يتعود البعض علي العنف "وقلة الأدب" في الشارع المصري. لدرجة أن العكس هو الغريب الآن!!
أم الكوارث أنه لم يعد شعباً فلسطينياً واحداً لاجئاً.. بل أصبحت هناك عدة شعوب عربية تنافس الفلسطينيين في التشرد وضياع الوطن..أم الكوارث أن تتعود علي سقوط مئات القتلي يومياً في حوادث تفجير هنا وهناك دون أن يطرف لك "رمش".
المهم نعود إلي صلب قضية العلاج في مصر الذي أصبح تجارة عند البعض وكارثة عند أكثر من 99% من سكان مصر.
هل نظل هكذا مكتوفي الأيد أمام أي مواطن يطلب العلاج ولا يجده. يطلب دخول مستشفي ولا يجد سريراً في غرفة عناية مركزة وللدرجة أن "الواسطة" الآن ليست في العلاج المجاني أحياناً. لكن في وجود سرير مهما كانت التكلفة.
والحل لابد من تكاتف الجميع في مشروع العلاج بالتأمين الصحي الذي لابد أن تمتد مظلته علي كل المصريين.. نظام للعلاج يحفظ للجميع كرامتهم.. نظام يجعل كل المصريين سواسية في تلقي العلاج الجيد ومن يريد الخدمة "5 نجوم" يدفع الفارق.. بمعني أن الكل يدخل غرفة علميات "5 نجوم" ويجري العمليات استشاريون وأساتذة بنفس الكفاءة. والفارق بين إنسان واخر هو مستوي الاقامة. من يرد الاقامة في "جناح" أو غرفة فندقية يدفع الفارق ليتم دعم علاج الآخرين.. هل هذا بالشيء الصعب المستحيل؟
أعتقد لو صدقت النوايا يمكن أن يسير القطار. لأن الإنسان في مرضه أضعف ما يكون. وهنا يكون المجتمع كله مسئولاً عن علاجه حتي يشعر بآدميته وإنسانيته من جهة ويدرك معني الوطن بحق وحقيقي ويشعر أن أهله "بني أدمين" بحق وحقيقي.
الإنسان ليس تجارة أيها الإنسان.. وثروة مصر الحقيقية في أهلها. فإذا كان مشروع تحيا مصر نجح في دخول معترك "فيروس سي".. فالمطلوب أن يكون علاج المصريين بشكل آدمي هو هدفنا وبأسرع ما يمكن. فالإنسان يمكن أن يصبر علي جوع أو برد. لكن لا أحد يستطيع الصبر علي المرض. والأصعب علي النفس أن تجد مريضاً ينظر لك بعتاب شديد. وبعتاب أشد الي وطنه الذي أكله "لحم" ويرميه "عظم".. هل يتبني مجلس النواب مشروع قانون للتأمين الصحي بأسرع وقت ممكن؟!
مصر لا تحتاج لمساجد وكنائس!!
مصر لا تحتاج لكنائس ومساجد جديدة يرحمكم الله؟!
أعرف أن هذه الجملة قد تثير غضب الكثير من المصريين. لكنها الحقيقة.
ببساطة مصر في حاجة لمدارس ومستشفيات ومصانع ومشروعات انتاجية وزراعية ولا تحتاج لمساجد وكنائس جديدة.
بين كل مسجد ومسجد.. مسجد.. في كل حي أكثر من كنيسة والسؤال هل تمتلئ المسجد بالمصلين؟! وهل تمتلئ الكنائس بالمصلين؟!
حتي لو كانت بعض المساجد والكنائس تمتلئ في بعض المناسبات. فالمساجد والكنائس تشكو من الخواء طوال الأسبوع أو طوال العام. نعم من حق المسيحي اقامة كنائس إذا كان الحي أو المدينة بلا كنائس خاصة إذا كانت أعداد المسيحيين كثيرة. نعم من حق المسلمين اقامة مسجد إذا كان الحي خالياً من المساجد. لكن الواقع عكس ذلك.. المساجد كثيرة لكن بلا مصلين. والكنائس كثيرة لكن بلا مصلين.. وإذا كانت جملة البابا تواضروس قد أثرت فينا جميعاً بقوله وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن.. ومن هنا انطلق بما أطالب به أن يتم توجيه كل الأموال التي يريد أبناء الوطن التبرع بها لبناء مسجد أو كنيسة الي التوجه بها لبناء مدرسة أو مستشفي أو إعادة عجلات مصنع للدوران أو استصلاح أراضي صحراوية واستزراعها لأن مصر ليست في حاجة لمساجد وكنائس لكن في حاجة لأي مشروع تعليمي أو علاجي أو تنموي.
ليست لدينا أزمة في أماكن للعبادة. لكن لدينا أزمة في عدم وجود تعليم جيد أو علاج جيد وآلاف المصانع المتوقفة أو آلاف المصانع التي نريدها وبدلاً من التناحر علي بناء مساجد وكنائس وهي في الأصل بيوت للعبادة والمحبة تعالوا ننقذ مصر من عثرتها. وننقذ أهلها من أزماتهم.. أعتقد أن هذا هو الدين الصحيح.
مثلاً هناك مدارس قبطية علي أحدث مستوي تربوي جعل المسلمين يتنافسون علي الحاق أولادهم فيها فلماذا لا تزيد الكنائس من هذه المدارس وفي هذه الحالة ستخرج أجيال من المسلمين والأقباط تعلموا في مدرسة قبطية. فهل سيكون من بين هؤلاء متطرفون أو كارهون لوطنهم وأبناء وطنهم!!
مثلاً هناك بعض الأديرة نجحت في استصلاح آلاف الأفدنة حولها وحولوا الدير إلي قلعة انتاجية. تزرع وتصنع المنتجات الزراعية من ألبان وجبن وعسل نحل.. إلخ من منتجات زراعية.. فلماذا لا توجه الكنائس أموالها لاستصلاح واستزراع مئات الآلاف من الأفدنة وتعطيها للمسلمين والأقباط في مزارع مشتركة بين أبناء الوطن الواحد.. فهل سيكون من بين المشتركين في مشروع واحد من هذه المشروعات متطرف أو كاره لأهل وطنه.. لا أظن؟!
مثلاً هناك بعض المستشفيات التي يطلق عليها المستشفي القبطي أو المستوصف القبطي.. لماذا لا يتم التوسع في مثل هذه المستشفيات لعلاج أبناء الوطن الواحد بشكل محترم. فهل سنجد من بين من يعالج في مثل هذه المستشفيات متطرف أو كاره لأهل وطنه.. لا أظن؟!
وهكذا.. والحال كذلك في المساجد والجمعيات الخيرية.. لماذا لا تكون هناك مدارس ومستشفيات ومزارع ومصانع علي غرار ما ذكرته من مشروعات للكنائس.
المهم في كل الأحوال أنه لا تفرقة بين أبناء الوطن الواحد في هذه المشروعات حتي نعطي نموذجاً جيداً للوحدة الوطنية بحق وحقيق بعيداً عن الشعارات الرنانة التي مللنا سماعها..الإنسان أسير مصلحته. إذا حدثته بلغته ومصالحه اليومية التف حوله.. وأعتقد أن فرصة عمل أو مكان للعلاج الجيد أو مدرسة لتعليم أولاده سيجعله يواجه كل المخططات الخبيثة للنيل من هذا الوطن باقتناع شديد. لأن الدم المصري لا يوجد به جينات مسيحية وأخري مسلمة.. الدم واحد والمصير واحد. فتعالوا نفكر بعقل واحد.
طبعاً لو تحول تفكيرنا الي ما أدعو إليه لن نجد وقتاً لكي "يتخانق" البعض في خناقات سطحية علي وجود أو عدم وجود خانة للديانة. فالمعروف أن الكل ينصرف الي مثل هذه "الفسافيس" عندما يغيب الحلم والمشروع الكبير.. فإذا انشغلنا جميعاً بالوطن وهموم أولاده ستجدنا لا نتوقف كثيراً بل وأحياناً نكتشف بعد فترة من الفترات أن هذا مسلم وذاك مسيحي.. إذا جمعنا الوطن حول قلبه سنكتشف أن كل دقة من دقاته تقول "الله". والدين لله.. والوطن للجميع!!
مصر ليست للبيع
اندهشت كثيراً من محاولة البعض تصدير أو خلق أزمات مفتعلة وكأننا ناقصين أزمات.. مثلاً يروج البعض لدعوة البعض ببيع جنسية مصر لمن يدفع مليون دولار!!
وبعيداً عما نؤمن به. حتي لو اتهمنا البعض بأننا أصحاب شعارات.. بأن جنسية مصر ليست للبيع. والمقارنة بيننا وبين بعض الدول الأخري لا محل لها من الاعراب.. هناك دول تعتمد في تركيبتها السكانية علي الهجرة ولأسباب متعددة. المهم يكون السؤال لأصحاب هذه الدعوة. ماذا لو تقدم إسرائيلي يطلب الجنسية وعرض ملايين الدولارات.. هل نمنحه الجنسية!!
هي أشياء لا تشتري.. كما قال شاعرنا الرائع أمل دنقل منذ سنوات طويلة.
ومع احترامي لصاحب هذه الدعوة.. أطالب الكل بالتفكير في مشروعات وأفكار تخرجنا من أزماتنا بعيداً عن بيع جنسية هذا الوطن.. ولا أجد سوي الجملة الشهيرة للزعيم مصطفي كامل.
لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً.. فهل تؤثر في أصحاب هذه الدعوة مثل هذه الجملة. أخيراً أقول.. هي أشياء لا تشتري!!