عماد الدين حسين
ظهور علاء وجمال.. السياسات قبل الأشخاص
فى نحو السابعة من مساء الجمعة الماضية، دخل علاء وجمال حسنى مبارك سرادق العزاء فى مسجد عمر مكرم، لتقديم واجب العزاء فى والدة الزميلين الأستاذين مصطفى ومحمود بكرى.
قبل دخولهما كانت الأمور طبيعية، وزراء ومسئولون وإعلاميون يتدفقون على القاعة بغزارة، لدرجة أن المقرئ كان يختصر «الربع» فى ٣ دقائق على الأكثر، ليعطى فرصة لخروج المعزين. فجأة سرت همهمة بين الجالسين، وقام كثيرون من الحاضرين للسلام على نجلى الرئيس الأسبق اللذين فضلا أن يجلسا فى ركن على يسار القاعة، ويعطيا ظهريهما لغالبية الحضور.
فى هذه اللحظة، كان يجلس على يمينى زميل صحفى إخوانى، وعلى يسارى صديق ليبرالى.
الزميل الإخوانى مال علىَّ هامسا: «الثورة ضاعت يا زعيم، هل يعقل أن يكون علاء وجمال حرين، فى حين أن كل قادة الإخوان داخل السجون؟!»، همست فى سرى قائلا:«أنتم كنتم السبب الرئيسى فى كل ما لحق بثورة 25 يناير من عثرات».
بعدها بدقائق قليلة، مال علىَّ الصديق الليبرالى هامسا بنفس الفكرة تقريبا، لكن مع تغيير الكلمات والأشخاص، مستنكرا أن يكون حسنى مبارك حرا وولداه طليقين، فى حين أن محمد البرادعى يعيش فى الخارج، ورموز ثورة ٢٥ يناير خصوصا من الشباب داخل السجون.
لا أستطيع أن أنكر على أى إخوانى أو ليبرالى أن يفكر بنفس طريقة الزميلين، لكن أعتقد أن هناك خفة واستسهالا كبيرا فى تناول المشكلة.
مثلا سنسأل سؤالا عكسيا: هناك بعض القيادات الإخوانية القليلة خرجت بالفعل من السجن، سواء بالبراءة أو لأسباب صحية، فهل يحق لبعض متطرفى ٣٠ يونيو أن يقولوا إن دولة الإخوان قد عادت؟!. وهل لو تم إطلاق سراح بعض رموز الإخوان وأنصارهم قريبا مثل سعد الكتاتنى أو أبوالعلا ماضى أو حتى محمد مرسى مثلا هل سيعنى ذلك أن ثورة ٣٠ يونيو انتكست؟.
وهل عندما دخل بعض الليبراليين بكثافة إلى الحكومة الأولى التى أعقبت ٣٠ يونيو كان معنى ذلك أن الليبرالية هى التى حكمت مصر وقتها؟!.
أظن ــ وبعض الظن ليس إثما ــ أننا ينبغى أن نركز أكثرعلى السياسات المتبعة وليس على الأشخاص.
نظام حسنى مبارك لم تكن له أيديولوجية، هو كان تجمع مصالح لمجموعة من الأشخاص أو اللوبيات، معظمهم رجال أعمال شكلوا ما يشبه «الجماعة أو حتى العصابة».
علينا أن نتذكر أنه لم تخرج مظاهرة واحدة ذات شأن تطالب بعودة مبارك للحكم بعد ١١ فبراير، ما يشغلهم هو بقاء نفوذهم ومصالحهم، وضحوا بمبارك وسيضحون بأى شخص يمس مصالحهم.
عمليا مبارك صار لا حول له ولا قوة، وأظن أن منتهى أمل نجليه أن يعيشا فى حالهما، وألا يعودا إلى السجن مرة أخرى، والأمر نفسه ينطبق على غالبية رموز هذه المرحلة، ودليل ذلك أن كل ما يشغل الدكتور زكريا عزمى الآن هو رفع قضية للحصول على قيمة إجازاته أثناء خدمته!.
حسنى مبارك ونجلاه ورموز عهده لن يظلوا طوال عمرهم فى السجن، وأغلب الظن أن هذا ما سوف يحدث مع قادة الإخوان، إن آجلا أو عاجلا.
الذى ينبغى أن ينشغل به المجتمع فى هذا الصدد أمران أساسيان: الأول أن نضمن أن تكون إدانة أو تبرئة رموز مبارك أو الإخوان، أو أى أشخاص آخرين طبقا للقانون فقط. والثانى ــ وهذا هو الأهم ــ أنه ينبغى علينا أن نقاتل جميعا من أجل ألا تعود سياسات مبارك أو السياسات التى كان يريد الإخوان تطبيقها فى مصر تمهيدا لتحويلها إلى إمارة فى دولة الخلافة.
علينا أن نتخلص من العادة الذميمة وهى التركيز على الأشخاص والقشور والشكليات.. علينا أن نجرب التركيز على القضايا وعلى السياسات، وإذا حدث ذلك سوف نجد وقتها كل شخص فى حجمه الطبيعى.