أحمد يوسف أحمد
السياسة المصرية والصراعات العربية
فى الحديث الذى أدلى به الرئيس إلى رؤساء تحرير الصحف القومية والذى نشر الأخ العزيز رئيس تحرير الأهرام حلقته الأولى يوم الإثنين الماضى لفتتنى إجابات الرئيس على الأسئلة المتعلقة بموقف السياسة المصرية من الصراعات العربية فى سوريا وليبيا واليمن .
فى الصراع السورى لخص الموقف المصرى فى خمسة مبادئ أساسية : احترام وحدة الأراضى السورية وإرادة الشعب السورى - إيجاد حل سياسى للأزمة - نزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة - إعادة إعمار سوريا - تفعيل مؤسسات الدولة ، وفى الصراع الليبى قال الرئيس صراحة إن مصر تدعم الجيش الوطنى والبرلمان لأنهما يمثلان الشعب الليبى وإرادته وتقدم لهما المساعدة الممكنة فضلاً عن المساهمة فى تدريب عناصر الجيش الوطنى الليبى والاستعداد الكامل لمواجهة أى مخاطر قائمة ، وفى الصراع اليمنى تشارك مصر فى التحالف العربى المساند للشرعية بعناصر من القوات البحرية لتأمين حرية الملاحة فى باب المندب ووصول السفن إلى قناة السويس فضلاً عن عناصر من القوات الجوية تعمل مع الأشقاء السعوديين.
فى الصراع السورى من الواضح أن الموقف المصرى مؤسس على ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسلامتها الإقليمية وقد استتبع هذا عدم الانسياق وراء المواقف التى كانت تُصر على البدء بالإطاحة بالرئيس السورى ، ولا يعنى هذا أى تمسك ببشار الأسد فى حد ذاته وإنما الحرص على عدم تكرار التجربة العراقية التى أدت فيها الإطاحة بصدام والسياسة الخاطئة بعد ذلك إلى الوضع الراهن فى العراق ، وسوريا دولة شديدة الأهمية بالحسابات الاستراتيجية فى معادلة الأمن القومى المصرى والعربى ومن الخطير أن تتحول إلى شظايا دولة، أما مصير بشار الأسد فيحدده الشعب السورى عندما تضع الحرب أوزارها وتُجرى انتخابات نزيهة بإشراف يُستحسن أن يكون أممياً بسبب الاستقطاب العربى الراهن ، وتلتزم كافة الفصائل المتصارعة بقبول نتائج الانتخابات طالما ضُمنت نزاهتها كما تلتزم كما أشار الرئيس بتسليم أسلحتها وإلا ظلت الدولة رهينة فى أيدى فصائل معظمها إرهابى ومدفوع بمصالح قوى خارجية ، وبالمناسبة فإن هذا النهج فى التعامل مع الصراع السورى يمكن أن يطبق على باقى الصراعات، وبطبيعة الحال فإن الأمور فى التطبيق ليست بهذه البساطة لكن هذا النهج يبقى الوحيد الممكن الاتفاق عليه، ومن الواضح أن التطورات قد أثبتت صحة الموقف المصرى بدليل التغيرات التى طرأت على مواقف بعض أطراف الصراع .
ويتسم الموقف المصرى تجاه الصراع الليبى كذلك بالوضوح فهو منحاز للشرعية النابعة من الشعب ، وبالمناسبة فإن الانحياز للشرعية يمثل الخيط الناظم للمواقف المصرية من مختلف الصراعات ، ومشكلة الحل الأممى حتى الآن هى أن مجلس النواب الشرعى وإن وافق على مبدأ الوفاق إلا أنه لم يُقر التشكيلة الحكومية التى بنيت عليه وما يمكن أن تُفضى إليه من انتزاع قيادة الجيش الوطنى لحساب قوى متطرفة وعدم تمثيل كافٍ للقوى الليبية ، وليس سراً أن ما يُسمى بالقوات الموالية للحكومة ليست سوى ميليشيات لابد وأن تُطالب بنصيبها فى السلطة لاحقاً ، ومن الأهمية بمكان إشارة الرئيس إلى أن مصر تُسهم فى تدريب عناصر الجيش الوطنى الليبى لأن هذه المساهمة سوف تساعد على ضمان وحدة الدولة الليبية واستقرارها وهى ترد على القائلين بأن مصر لا تملك أوراقاً فى إدارة الصراعات القائمة ، والواقع أن الصراع الليبى هو أخطر الصراعات الدائرة الآن على الأرض العربية من منظور أمن مصر ومصالحها الاقتصادية فوجود نظام متطرف فى ليبيا سوف تكون له نتائج مقلقة بالنسبة للأمن القومى المصرى تذكرنا بحالة حماس فى غزة كما أن مصالح العاملين المصريين فى ليبيا مهددة منذ ساد عدم الاستقرار الساحة الليبية. وفى اليمن تبدو الأمور محسومة فمصر تساند الشرعية من خلال المشاركة فى التحالف بعناصر من قواتها البحرية تحمى باب المندب الذى يمكن أن يكون ممراً لدعم خارجى للانقلابيين وهو فى الوقت نفسه المدخل الجنوبى لقناة السويس كما أن عناصر من قواتها الجوية تشارك فى عمليات التحالف وهو أقصى ما يمكن لمصر أن تقدمه فى ظروفها الراهنة التى تتعرض فيها لتهديدات إرهابية حقيقية فى داخلها ومن حدودها المباشرة.
تنبع السياسات السابقة من المصالح المصرية وبعض أبعادها لا يتطابق مع سياسات صديقة وهو الأمر الذى يجب أن يكون موضعاً لتفهم متبادل خاصة أن هذه السياسات تتعلق بصراعات داخلية قد تتنوع فيها الرؤى أما قضايا حماية الأمن العربى ضد أى تهديد خارجى فمسألة أخرى التزمت السياسة المصرية فيها بحمايته وتستطيع هذه السياسة أن تزيد من فاعليتها بمبادرات لتسوية الصراعات القائمة تبدعها الرؤى السياسية والقدرات الدبلوماسية المصرية .