جمال زهران
القضاء والسياسة فى وزارة الثقافة
أحسن الرئيس عبدالفتاح السيسى قولا فى آخر أحاديثه لرؤساء تحرير الصحف القومية الثلاث (الأهرام ـ الأخبار ـ الجمهورية)، عندما أشار إلى موضوع الجزيرتين (صنافير وتيران)، فأعلن أن البرلمان له كل الحق فى مناقشة اتفاقية الجزيرتين، وأن الطرف السعودى متفهم للمناقشات حولهما، ثم أشار إلى أن ترسيم الحدود يفتح الآفاق للتعاون والاستثمار فى مجال الثروات الموجودة..الخ، كما أردف بالقول إننا نتعامل مع هذا الملف فى إطار احترامنا لمؤسسات الدولة والقضاء.
إذا كان هذا هو موقف رئيس الدولة، فكيف تتصرف مؤسسات الدولة فى هذا السياق؟ لدينا ثلاث سلطات فى الدولة، الأولي: التشريعية تراقب الحكومة وتصدر التشريعات، والثانية: التنفيذية وهى الحكومة تقوم بتنفيذ القوانين وتخضع للرقابة من السلطتين التشريعية (البرلمان)، والثالثة وهى السلطة القضائية، حيث تقوم بدور ضابط الإيقاع فى النظام السياسى والحكم بين جميع أطراف العملية السياسية، ووفقا لنص الدستور، فإن احترام أحكام القضاء مقدس، وعلى الدولة ومؤسساتها تقديم القدوة فى احترام القانون وأحكام القضاء، بل إن كل مسئول أيا كان موقعه ملزم باحترام أحكام القضاء وتنفيذه، وليس من حقه التصرف عكس هذا الحكم، كما أن القانون نظم محاسبة المسئول عند عدم تنفيذ حكم القضاء أو احترامه أو التحايل عليه، ونص على عقوبة العزل من الوظيفة العامة، إلا أن الوزير وله صفة سياسية وتنفيذية وعليه مسئولية جنائية أيضا، هو الأوجب أن يكون الأكثر التزاما فى احترام القانون وأحكام القضاء.
وبمتابعة قضية الجزيرتين التى شطرت المجتمع المصرى بين فريقين، الأول هو فريق السلطة التى بادرت بالموضوع وأصبح لها كالعادة مؤيدوها حتى التطرف، والثاني: فريق يرى عكس ما تراه السلطة، ليس من باب المعارضة ولكن من منطلق دوافع وقائع تاريخية وجغرافية معينة، وبعيدا عن أساليب التخوين التى أطلقها البعض يؤكد تبعية الجزيرتين (صنافير وتيران) لمصر، نافيا علاقتهما بالسعودية، وهذا الحكم واجب النفاذ بنص قانون مجلس الدولة، بغض النظر عن الإشكال والطعن فيه، وذلك إلى أن ينتهى هذا النزاع حول الحكم والموضوع قضائيا.
وما كان وفقا لتصريحات الرئيس المتوافقة مع القانون والدستور، ما كان ينبغى لوزير فى الحكم، أن يبادر بإعلان رأى معاكس فى موضوع صدر بشأنه حكم قضائي، حيث فوجئنا بوزير الثقافة الأستاذ حلمى النمنم، بحضور ندوة ـ أعلن فى وسائل الإعلام أنه الداعى لها ـ فى المجلس الأعلى للثقافة لمناقشة قضية الجزيرتين (صنافير وتيران)، وأن الذى سيدير الندوة مستشاره القانونى وهو قاض ورئيس محكمة مع عدد من الأساتذة، وجميعهم بلا استثناء من واقع آرائهم المنشورة من فريق السلطة المتابعين والمؤيدين لها لأسباب مختلفة، وبالتالى فهم مؤيدون للاتفاقية التى عقدتها الحكومة بشأن نقل تبعية وسيادة الجزيرتين من مصر للسعودية!!.
وتعليقا على ذلك: هل يجوز لقاض أن يدير جلسة حول موضوع سياسى بالدرجة الأولي، صدر بشأنها حكم قضائى من مجلس الدولة واجب التنفيذ؟! أليس فى ذلك مخالفتان، الأولى هو أنه ليس من حق القاضى الحديث فى السياسة، ولنكف عن الازدواجية، فإذا كان مؤيدا لاتجاه السلطة تركوه يغوص فى السياسة، واذا كان معارضا نعتوه بالخروج من السلك الوظيفى بالحديث فى السياسة، واستوجب الأمر عزله من الوظيفة بعد تحويله الى الصلاحية، وهنا فإن هذا القاضى الذى سمح لنفسه بحضور ندوة وأبدى فيها رأيه، بل وأدارها فى وجود وزير الثقافة، خالف تعليمات المجلس الأعلى للقضاء، ويستوجب إحالته للصلاحية ومحاسبته قضائيا، وإلا فإنها الدعوى للفوضى نتيجة الازدواجية، ولمن لا يعرف فإن هذا القاضى لديه المركز العربى للدراسات القضائية ينظم مؤتمرات ويدير علاقات عامة مع مسئولين بالمخالفة لعمله كقاضى، وانه أبدى رأيه فى موضوع صدر بشأنه حكم، ولايزال منظورا أمام القضاء، وبصفته القضائية فإن عليه احترام المهنة التى ينتمى إليها ويمارسها وهى السلطة القضائية.
أما عن السيد الوزير، فإن تنظيم هذه الندوة التى تبرأت منها لجنة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء، ومن ثم فإنه ما كان لهذه الندوة أن تعقد وبدعوة من المجلس الأعلى للثقافة وبحضور الوزير شخصيا والإدلاء برأيه، وتطوعه فى إعداد كتاب يثبت فيه سعودية الجزيرتين، فلماذا هذا التطوع بذلك؟! استفسرت من جهات عديدة وأشخاص مسئولة، فقيل لى الكثير مما لا أستطيع نشره، وما خفى كان أعظم، ولكن أقول إن الوزير وقع فى المحظور وخالف بحكم مسئوليته السياسية الدستور وانتهكه، لعدم احترامه حكما قضائيا واجب النفاذ.