التحرير
طارق الشناوى
«ربيع» فريد.. و«ربيع» سعاد!
يرفض الشاعر مأمون الشناوى أن يجرى أى تغيير على كلمات الأغنية، وتصر أم كلثوم على تعديل بضع كلمات، يقول لها إنه مثل الفنان التشكيلى انتهى من لوحة، ولا يمكن أن يضيف لونا أو ظلا، بناء على اقتراح الزبون، بينما أم كلثوم ترى الأغنية عملا جماعيا، ومن حقها أن تدلى برأيها، فيذهب بها إلى صديقه فريد الأطرش، الذى يبعد منزله بأقل من 100 متر عن فيلا أم كلثوم، ويقدمها فريد ضمن أحداث فيلمه «عفريتة هانم» للمخرج هنرى بركات عام 49، ومنذ ذلك الحين لا يصبح الربيع ربيعًا إلا بعد أن يَشدُوا فريد برائعة مأمون.

كان محمد الموجى ومنير مراد هما الملحنان الأقرب إلى سعاد حسنى، وفجأة تتوقف إشارة المرور، ويستمع كمال الطويل إلى صوت يستحوذ عليه من فرط رقته، يقول له «إمتى هاغنى من ألحانك يا أستاذ»، ينظر فيكتشف أنها سعاد حسنى، قال لى الأستاذ كمال إنه مع سعاد لا يلحن فقط الكلمات، لكن الصوت يلهمه بالنغمة، ويبدأ بـ«يا واد يا تقيل» فى «خاللى بالك من زوزو»، وتتعدد الألحان، وتأتى «الدنيا ربيع» فى «أميرة حبى أنا» للمخرج حسن الإمام عام 74، لتصبح عنوانا مغايرا للربيع.

ساعات ونعيش الربيع، وعلى الفور تملأ أسماعنا أغنية فريد الأطرش، التى أصبحت على مدى يقترب من 70 عامًا بمثابة ارتباط شرطى، الربيع لا نعرفه فقط بأوراق شجر أخضر حتى لو كان «ورور»، ولا بتغريد العصافير الملونة حتى لو كانت «كناريا»، لكنه «ربيع» عندما نستمع فقط لفريد، قبل ذلك هو مجرد شروع فى ربيع، ظلت الأغنية مسيطرة بمفردها على المشهد لمدة 25 عامًا، حتى جاءت «الدنيا ربيع»، ومنذ ذلك الحين صار للربيع أغنيتان ووجهان باكٍ وضاحك!

جاهين والطويل وسعاد قدموا مذاقًا يدعوك إلى القهقهة والضحك للربيع، بينما مأمون وفريد قدَّما مذاقا مليئا بالشجن، لدينا فى الدراما «البارودى»، أى أن هناك رؤية ساخرة لعمل فنى مغرق فى الدموية إنه الوجه الآخر، مثلا أفلام الكاوبوى الأمريكية المليئة بالمسدسات والبنادق والدماء، شاهدنا الوجه الآخر لها فى كاوبوى إيطالى وإسبانى بمذاق كوميدى أطلقوا عليها على سبيل السخرية «كاوبوى إسباجيتى»، ولدينا مثلا فى منتصف الخمسينيات فيلم المخرج صلاح أبو سيف «ريا وسكينة»، الذى تناول حياة أشهر قاتلتين فى مصر، بعدها بعام واحد لعب إسماعيل ياسين ومع نفس بطلتَى الفيلم نجمة إبراهيم وزوزو حمدى الحكيم بطولة فيلم «إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة» إخراج حمادة عبد الوهاب، وفى الثمانينيات شاهدنا يونس شلبى مع شيريهان فى رؤية ساخرة للسفاحتين الأشهر، وهو ما كرّره المخرج حسين كمال فى مسرحية «ريا وسكينة» بطولة شادية وسهير البابلى، وهو آخر عمل فنى لعبت شادية بطولته قبل اعتزالها، وفى الغناء مثلا نستمع إلى شكوكو ساخرا من نجاة «لا تكذبى إنى رأيتكما معا.. كنت باحسبك ملوخية لكن طلعتى مسقعة»، بينما عدوية يغنى ساخرًا من عبد الحليم «نار يا حبيبى نار.. فول بالزيت الحار».

فى ربيع سعاد نتأكد أنها لا تريد أن تثير أى لحظات من الألم، لكنها تتجاوز عن كل شىء من الممكن أن يعكر صفو اللحظة «قفِّلى على كل المواضيع.. قفل قفل قفل قفل»!

لنرى تلك الحالة من الامتزاج بهذا التوافق اللا شعورى بين الموسيقى والكلمة، وبهجة صوت سعاد حسنى، الذى عبّر عن حالة التصالح مع الحياة بهذا الرنين الخفى «الشجر الناشف بقى ورور.. والطير بقى لعبى ومتهوِّر»، بينما فريد لا يزال صوته يحلْق بنا فى عليين، وهو يقول بكلمات مأمون الشناوى «وغاب عنى لا طمنّى ولا قال إمتى راح أشوفه.. وأقول يمكن هيرحمنى ويبعت للربيع طيفه»!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف