التحرير
ياسر ثابت
مصر بين حربين فى اليمن
بإعلان مصر دعمها السياسى والعسكرى للخطوة التى اتخذها ائتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية فى اليمن استجابة لطلبها، دشنت مصر المشاركة الثانية فى الحرب على أرض اليمن، مع وجود اختلافات جوهرية بين الحربين وأهدافهما والأطراف والتحالفات المشاركة فيهما.

المشاركة المصرية فى «عاصفة الحزم» تأتى فى إطار التنسيق مع السعودية ودول الخليج الشقيقة بشأن ترتيبات المشاركة بقوة جوية وبحرية مصرية، وقوة برية إذا لزم الأمر، فى إطار عمل الائتلاف، وذلك دفاعـا عن أمن واستقرار اليمن وحفاظا على وحدة أراضيه وصيانة لأمن الدول العربية الشقيقة.

فى المقابل، نجد أن حرب اليمن السابقة اندلعت عام 1962، ودخلت مصر تلك الحرب للوقوف إلى جانب الثورة اليمنية ضد الحكم الملكى للإمام البدر. شاركت القوات المصرية فى تلك الحرب بأوامر من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عقب جلسة جمعته مع عبد الرحمن البيضانى، قائد الثورة اليمنية.

بدأت الحرب بين أنصار النظام الجمهورى، الذين حاصروا قصر الإمام البدر، لتسقط المملكة المتوكلية التى كانت قائمة فى اليمن بعد يوم واحد، هرب الإمام إلى السعودية، إلا أن بريطانيا والسعودية والأردن استمرت فى دعم أنصاره حتى عام 1970.

الأهداف واضحة هذه المرة، خصوصا أن الخطر الحوثى يهدد باب المندب، بما يعنيه ذلك من تهديد لأمن وسلامة الملاحة فى قناة السويس، ويمثل انقلابـا على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادى فى اليمن الشقيق، فضلا عن أنه يأتى فى إطار التمدد الإيرانى.

على الضفة الأخرى، حاول محللون وخبراء عسكريون توضيح سبب إرسال القوات المصرية إلى اليمن، كما ذكر البريطانى «أنتونى ناتنج»، فى كتاباته عن سيرة حياة عبد الناصر، عوامل عديدة دفعت الأخير لإرسال قوات مصرية إلى اليمن.

ويقول الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل فى كتاب «لمصر لا لعبد الناصر»، إنه قد تناقش مع عبد الناصر فى موضوع دعم ثورة اليمن، وكانت وجهة نظره أن وضع ثورة السلال لا يمكنها من احتواء العدد الكبير من القوات المصرية التى سترسل إلى اليمن لدعم نظامه، وأنه من الأفضل التفكير فى إرسال متطوعين عرب من جميع أنحاء العالم العربى، للقتال بجانب القوات الجمهورية اليمنية.

وضرب هيكل مثالا على ذلك بالحرب الأهلية الإسبانية للتطبيق فى اليمن، لكن عبد الناصر رفض وجهة نظره وكان مُصرّا على ضرورة حماية الحركة القومية العربية.

هذه المرة تبدو مشاركة مصر فى إطار قوة عربية مشتركة، إذ تشارك فى «عاصفة الحزم» خمس دول خليجية، إضافة إلى كل من مصر والمغرب والأردن والسودان.

وإذا قارنّا هذه الصورة بما جرى ابتداء من عام 1962، سنجد أن عبد الناصر كان يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوبـا بسرب من القاذفات المقاتلة، يمكنه أن يحمى الجمهوريين فى اليمن، وكان عبد الناصر يتطلع إلى تغيير النظام اليمنى منذ 1957، وفى يناير 1962 وجد الفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته، وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب، وكان عبد الناصر يعتقد أن قدر مصر هو مواجهة الاستعمار.

أدرك عبد الناصر خلال ثلاثة أشهر من إرساله القوات إلى اليمن أن الأمر يتطلب أكثر مما توقع. وفى بدايات عام 1963 بدأ مسعاه الذى امتد أربعة أعوام لإخراج القوات المصرية من اليمن لحفظ ماء الوجه، ولكنه وجد نفسه مضطرا إلى إرسال مزيد من القوات. وكان عدد القوات أقل من 5,000 جندى فى أكتوبر 1963. وبعد شهرين ارتفع عدد القوات النظامية هناك إلى 15,000، وفى نهاية عام 1963 بلغ عدد القوات 36,000، وفى نهاية عام 1964 بلغ 50,000 جندى مصرى فى اليمن، وبلغ العدد ذروته فى نهاية عام 1965 ليبلغ عدد القوات المرابطة هناك 55,000 جندى مصرى، تم تقسيمهم إلى 13 لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية وفرقة دبابات وعديد من قوات الصاعقة وألوية المظلات.

فى مقابل الوضوح بشأن الدعم المصرى للعملية العسكرية الحالية فى اليمن، نجد غموضـا فى المعلومات الخاصة بحرب اليمن السابقة، إذ لم يتحدث عبد اللطيف البغدادى وزير الحربية فى الفترة «1953- 1954» عن حرب اليمن إلا فى معرض حديثه عن اعتمادات مالية مطلوبة للقوات المصرية فى اليمن، لكنه لم يتحدث عن أسبابها أو عن نتائجها أو عن تداعياتها على الحالة التى كانت تمر بها البلاد فى ذلك الوقت.

فى حرب اليمن الأولى، كان القادة الميدانيون المصريون يعانون من انعدام الخرائط الطبوغرافية مما سبّب لهم مشكلة حقيقية فى الأشهر الأولى من الحرب، فلم يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ عن الخسائر دون الإحداثيات الدقيقة للمواقع. وكانت لدى وحدات القتال خرائط تستخدم فقط للملاحة الجوية. وقد أقر مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر أن المعلومات عن اليمن كانت شحيحة، ولأن مصر لم يكن لديها سفارة فى اليمن منذ 1961 فقد طلبت معلومات من السفير الأمريكى فى اليمن، ولكن كل ما أرسله فى تقريره كان معلومات عن الاقتصاد اليمنى. فى شهادة الفريق عبد المنعم خليل عن حرب اليمن، التى عرضها فى كتابه المهم «حروب مصر المعاصرة فى أوراق قائد ميدانى»، الصادر عن دار المستقبل العربى، يقول: «وهكذا تورطت مصر فى اليمن وبدأت فى إنشاء جسر جوى وبحرى ضخم عبر آلاف الكيلومترات لنقل الرجال والعتاد والأسلحة والمهمات والتعيينات والذهب إلى أرض اليمن التى ابتلعت خيرة وحدات القوات المسلحة وأهلكت أفرادها ومعداتها وأسلحتها وطائراتها واستنفدت أنفاسها… وبدأت عمليات قطع الطرق على قواتنا، خصوصا القوات الإدارية التى كانت تتحرك لإمداد القوات بالذخائر والأسلحة والتعيينات والمياه إلى بعض المناطق وبالطبع الزيوت والوقود والشحومات».

اختلافات كثيرة بفارق زمنى يتجاوز نصف قرن من الزمان، غير أنه من الضرورى استقراء التاريخ حتى نعرف ما نريد أو ما نحاذر فى المستقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف