التحرير
أحمد الصاوى
خلاف مع إيران أم معركة ضد الشيعة؟
قد تكون الفوائد من وراء قرار البرلمان الباكستانى رفض المشاركة فى الحملة العسكرية فى اليمن أكثر مما تعتقد.

يبرر الخليجيون صدمتهم من القرار الباكستانى بمستوى العلاقات السعودية الباكستانية تحديدا، التى بدأت منذ انفصال باكستان عن الهند فى عام 1947، وتأسيس دولة مستقلة إسلامية تعد بعد المملكة العربية السعودية أقدم دولة تقوم على أساس دينى فى المنطقة، ومن هنا كانت العلاقات مبكرة بين الدولة الإسلامية ودولة مهبط الإسلام التى ظلت بالنسبة إلى الباكستانيين مرجع الدين، ومنبع التعليم الدينى بكل ما يحوط ذلك من ولاء روحى، تطورت لاستثمارات خليجية ومنح وتعزيز للعلاقات العسكرية، حتى إن تقارير خرجت تؤكد مشاركة الرياض فى تمويل البرنامج النووى الباكستانى الذى انتهى بحصول إسلام آباد على القنبلة النووية، ونشر قوات باكستانية فى المملكة فى أوقات الخطر، مع اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية فى عام 1979، ومع احتلال العراق للكويت مطلع التسعينيات.

باكستان تملك الجيش القوى، والخليج يملك الفوائض المالية التى من الممكن أن تساعد إسلام آباد فى مواجهة مشكلات جمة لها علاقة بالتنمية والنمو ومكافحة الفقر وتحسين الخدمات، لكن ذلك كله ليس كافيا فى ظل وجود نحو 30% من المنتسبين إلى الجيش الباكستانى من الشيعة، وفى ظل وجود تشدد مذهبى سنى فى مناطق كثيرة، وعملية سياسية أكثر حيوية من أى بلد آخر فى المنطقة، تنشط فيها المعارضة وتجرى فيها الانتخابات بنزاهة ويمكن لخطأ استراتيجى أن يطيح بالحكومة ورئيسها.

هنا تدفع المملكة، بفعل بعض السياسات وبعض الأصوات المحسوبة عليها فى المؤسسة الدينية والإعلام، ثمن تصوير الصراع فى إطار مذهبى، وتحركها لتأسيس تحالف ينطلق من المذهبية السنية فى مواجهة المذهبية الشيعية التى تمثلها إيران، وتجلى ذلك فى تحركها باتجاه أنقرة وإسلام آباد والقاهرة، وهى ثلاث قوى إقليمية لا يجمع بينها أى مصالح مباشرة أو رؤى مشتركة غير التطابق المذهبى. قد يكون ذلك ليس محددا حاكما للسياسة السعودية، يأتى فى إطار استشعارها خطورة مشروع توسعى قومى فارسى تتحرك به إيران وتتمدد مستفيدة من التناقضات المذهبية، وقدرتها على بسط نفوذ روحى على المكونات العربية الشيعية، لكن تلك هى الصورة التى يعكسها الإعلام وخطباء المساجد والفتاوى الدينية المؤيدة للحرب.

أنت الآن أمام معطيات جديدة، خروج إسلام آباد من التحالف، وجنوح أنقرة نحو التفاهم مع طهران، ولكل منهما (أنقرة وطهران) مشروع قومى قائم على التمدد وملء الفراغ فى المحيط العربى، والتنافس على هذا التمدد قائم بينهما، الأمر الذى يعود بالتفكير من جديد إلى داخل الدائرة العربية.

منذ بدء الأزمة فى اليمن ونحن نتحدث عن مشروع عربى جديد لأمن المنطقة ينطلق من إطار قومى لا مذهبى، ويبنى مصالح مشتركة لأطرافه، بالشكل الذى يسمح بقطع التدخلات الإقليمية فى الفضاء العربى.

مشروع القوة العربية المشتركة إحدى هذه الأدوات لبناء هذا النظام الإقليمى الجديد، الذى يتحرك العرب فيه لملء فراغاتهم بأنفسهم، لكنه مرة أخرى يحتاج إلى بناء استراتيجية واضحة الأهداف تنطلق من إحياء خطاب قومى عربى حقيقى أكثر رشدا وتنوعا، يستبعد من داخله المشروعات المذهبية والمناهضة للدول، وينطلق فى جمع العرب بتنوع مكوناتهم المذهبية والقبلية والسياسية فى إطار جامع، وإدارة حوار راشد وحكيم مع الأطراف غير العربية فى قلب النسيج العربى يتجاوز أخطاء الماضى.

بالتوازى مع ذلك تحتاج إلى بناء اصطفاف عربى «سنّى شيعى» بحوار مختلف ومباشر مع الشيعة العرب، يقف فى وجه منابر التحريض على الشيعة عموما بسبب مخاطر توسعية إيرانية.

لا أفهم كيف يمكن أن تكفّر المنابر الرسمية فى العالم العربى الشيعة فى كل خطبة ووعظة، ثم يُطلب من الشيعة العرب اتخاذ مواقف وطنية قومية، هو أمر -مع الفارق قطعا- يساوى الطعن الدائم فى اليهود كل اليهود بسبب مواجهة مع جرائم إسرائيل، مما أخرج اليهود العرب من معادلة تنوعنا وقوتنا الحضارية. مدت إيران يدها للشيعة العرب، فى الوقت الذى رفع العرب أيديهم بتأثير خطاب فرز طائفى، وبداية الحل العربى فى محاصرة هذا الخطاب، وحسم عنوان التحالف: «خلاف مع إيران أم معركة ضد الشيعة؟».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف