التحرير
نبيل عمر
دولة دينية!
من الأقوال الصحيحة عن الإسلام أنه لا يدعو ولا يعرف الدولة الدينية بأى شكل من الأشكال، ولم يكن حكم الخلفاء الراشدين ولا الأمويين ولا العباسيين حكما دينيا، وإن لعب الدين دورا مهما فى السيطرة السياسية.

لكن من الأكاذيب الشائعة أن الدولة الدينية هى فقط التى يجلس على عرشها رجال دين أو يشغلون فيها مناصب رفيعة أو يملكون سلطة التأثير المباشر على مراكز صناعة القرار، ويسيّرون حياة الناس اليومية، وقد حدث أن أسس البشر عبر تاريخهم دولا دينية لها مرجعية مطلقة فى قياس نشاط مواطنيها وتصرفاتهم وعلاقاتهم بعضهم بعضا داخل حدودها أو مع الآخر الأجنبى دون أن يتولى قياداتها الكهنة ورجال الدين، كما حدث أحيانا فى مصر القديمة، فى حكم إسبانيا زمن فيليب الثانى حين حرّضه رجال الدين على إرسال «الأرمادا» الأسطول العظيم لغزو بريطانيا استجابة لطلب السماء ومباركتها، فغرق فى بحر الشمال وانتهى إلى الأبد، أى أن الدولة الدينية تكتسب هذه الصفة من المعايير التى تعمل بها، وهى معايير مطلقة ينفّذها بشر يتصورون أنهم يُطبِّقون تعاليم السماء، حتى لو لم يرتدوا ثياب رجال الدين، ولبسوا أزياء عصرية، وتحدَّثوا بلغة الناس العاديين أو حتى بألسنة الفرنجة!

ومعروف أن الدين، أى دين، لا يقود بنفسه، إنما بزعماء وقيادات وكوادر لها نزاعات شخصية ونقاط ضعف ومصالح خاصة وتمثيل طبقى، ومنوط بها تسيير أمور العباد، حسب فهمها للدين، وقد تفهمه بالطريقة نفسها التى فهم بها الخوارج أو يزيد بن معاوية أو الحجاج الثقفى أو القرامطة أو الحشاشون أو الحاكم بأمر الله أو السلطان عبد الحميد أو المُلا عمر، أو أسامة بن لادن أو سيد قطب أو الجماعة الإسلامية أو تنظيم داعش أو أنصار بيت المقدس، مع العلم أن كل هؤلاء ليسوا حجة على الإسلام بأى شكل من الأشكال، لكنهم ربطوا أفكارهم وتصرفاتهم بالإسلام ربطا تعسفيا وليس مجرد «آراء خاصة فى فهم الدين» ليكسبوها قوة غير عادية ومكانة عظيمة فى مواجهة خصومهم ومنافسيهم السياسيين.

وإذا كانت هذا الآراء والتفسيرات خاطئة فمن يتحمل وزرها، الإسلام أم هم؟ وإذا كانت قد أدت مثلا إلى قتل وحرق وتفجيرات وعمليات انتحارية، فكيف يمكن علاجها؟ مثلا ما الذى استفاد منه أنور السادات وعائلته من مراجعات الجماعة الإسلامية واعترافها بأنها أخطأت فى قتله؟!

والمدهش أن كل مَن ذكرتهم ليسوا من رجال الدين، ولا يصفون أنفسهم بهذه الصفة، لكن تأثيرهم ودورهم كان خطرا داهما.

وفى حياتنا كثير من مظاهر الدولة الدينية، التى يمكن رصدها، فى كلام الناس وأسئلتهم فى برامج الشيوخ، من عينة: هل الاستماع إلى الموسيقى حرام أم حلال؟! هل يجب أن ندخل البيوت بالقدم اليمنى أولا؟ هل تسكن الشياطين دورات المياه؟ باختصار أسئلة تمسّ كل صغيرة وكبيرة فى حياتنا.

وهذا النوع من الأسئلة لم يكن مطروحا على الإطلاق فى عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، ولم تحتل عقولنا إلا مع حالة التخلف التى ضربتنا فى كل اتجاه، فأسلم نور العقل واختلطت علينا أمور الحياة.

الدولة الدينية ليست عمامة بل فكرة، ليست ثيابا بل أسلوب حياة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف