التحرير
سامح عيد
سودوكو
هي لعبة عرفتها في العام 2003 كانت جديدة وقتها، اخترعتها اليابان، كما علمت، وبعد ذلك انتشرت وأصبح لها كتيبات، وأصبحت تنزل بجوار الكلمات المتقاطعة في الجرائد، وأصبح لها متابعون، وهي عبارة عن 81 مربعا، عبارة عن تسعة في تسعة، ومقسمة إلى تسع مربعات صغيرة داخلية 3 × 3، ومطلوب من اللاعب أن يجعل في كل عمود رأسي وأفقي الأرقام من واحد لتسعة بدون تكرار، وكذلك في المربعات الصغيرة الداخلية، أول مرة حليتها استمررت 6 ساعات كاملة من الشطب والإعادة، حتى وصلت إلى آلية التفكير فيها، وهي تحتاج إلى تآزر فكري بين الأفقي والرأسي والمربعات الصغيرة، ومن أين تبدأ التفكير، ومتى تتركه لتتجه إلى تقاطع آخر، وكيف تضع الاحتمالات، وترجح احتمالا من الاحتمالات ومتى تضع الرقم بالرصاص لوجود احتمالات متعارضة ومتى تضعه بالجاف إذا وصلت لليقين الكامل ومتى في مستويات عليا تحتاج إلى المجازفة المحسوبة بناء على قوة الاحتمال التي ربما تكون خاطئة ولا سبيل أمامك إلا للمجازفة وتركت لعبها في العام 2010 عندما كانت ابنتي في الصف الثاني الإعدادي، وبعد أن دربتها عليها عدة مرات اكتشفت أنها تهزمني في سرعة الحل وأن التآزر الفكري لدى الأجيال اللاحقة أقوى وأسرع، وأن عامل الزمن قد لعب لعبته القذرة معنا، ولا أنسى صديقي مجدي رحمة الله عليه، مدرس اللغة الإنجليزية، عندما رأيته يلعب السودوكو ويتباهى بقدرته في حلها، أراد التحدي، فتخابثت معه، وقلت له، أنت لست على مستوى المنافسة، وسأجعل ابنتي تنافسك، فقبل مستهزئًا وساخرا، ولكنه اندهش وغضب عندما هزمته وتخيل أن الموضوع به خدعة، وأنها كانت حافظة لهذا النموذج، فقلت له لك الحرية في اختيار نموذج آخر، ولكنه تراجع، لم يدرك أن هناك تفسيرا علميا لسرعة عمل خلايا المخ في سن معينة، مع الاعتبار للفروق الفردية بالتأكيد.

هذا ما أردت إسقاطه على السياسة، فكثير من القرارات تحتاج إلى تآزر فكري بين القرار الداخلي وعلاقته بالخارج من ناحية، وبالشارع من ناحية أخرى ويحتاج إلى حساب الاحتمالات والترجيح، والمجازفة المحسوبة والتي نعترف بالخطأ بعدها بلا تردد، إذا تعارض التآزر الفكري وفسد إنهاء النموذج، وربما نحتاج إلى إعادته، بترجيحات أخرى مخالفة، هذه هي طريقة التفكير المرنة، التي لا تأخذ الأمور بشكل جدَّي، ولا تتحرج من الاعتراف بالخطأ، وتفكر بشكل مركب، فلا يحل مشكلة داخلية، دون النظر للخارج، ولا يفكر في الخارج بعيدا عن الداخل، وحساب تعارض المصالح بشكل دقيق بين أطراف عدة، وكيف نحقق التكافؤ والتوازن، فحل مشكلة ازدراء الأديان بالنظر للداخل فقط، وعمل حسابات الداخل بعيدا عن تعقيدات الخارج، وملاسناته، وما خسارتنا من تصرف كهذا، لأنه للأسف من يحكمون البلد، يلعبون السيجا.

أو x and o وفي أقصى تقدير يلعبون السوليتير أو ساندي، كما ضبط مرشح رئاسي وهو يعترف مغردا أنه وصل إلى مستوى معين في لعبها، هذا هو الفرق بين السياسي الذي يلعب السودوكو في السياسة والأكاديمي الذي يلعب السيجا.
عندما رحَّلوا ليليان داوود، عندما اصطدموا بجمعيات حقوق الإنسان، عندما عالجوا قضية ريجيني، عندما تعاملوا مع الطائرة التي وقعت بالروس، عندما تعاملوا مع قضية تيران وصنافير، عندما صنعوا مجلس نواب، عندما دخلوا في مشاريع بدون دراسات جدوى حقيقية، عندما تعاملوا مع قضية العملة ومع صندوق النقد الدولي، وعند تعاملهم مع قضية الأسعار في الداخل ورفع الدعم وبيع القطاع العام.

عليهم أن يمتحنوا الوزراء سودوكو قبل أن يقبلوهم بالوزارة، ولّا صحيح هم الوزرا في مصر بياخدوا قرار، إنها الأجهزة الأمنية المسؤولة عن الوزارات، إذًا هؤلاء هم من نمتحنهم في السودوكو.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف