اخبار الرياضة
فتحى سند
لم نتعلم.. ولا نريد!
شاهدت نهائي دورة ريودي جانيرو بين البرازيل وألمانيا في كرة القدم.. ورأيت بأم عيني كيف يكون التشجيع والاحترام والالتزام في الملاعب.. وتحديداً المدرجات.
الجماهير ذهبت إلي اللقاء كي تقضي وقتاً جميلاً وتستمتع.. وأيضاً تشجع بمنتهي الأدب والشياكة.. فلا كراهية للمنتخب الألماني الذي »قطّع»‬ منتخب بلادهم في الدور قبل النهائي لمونديال 2014، وأمطر شباكه بسباعية شهيرة، ولا عصبية من الفريق الألماني الذي كان يطمح في الذهبية، وإنما محبة وروح رياضية لا مثيل لها.
ولمن لم ير المباراة.. فقد انتهت بشكل حضاري غير عادي.. الفريقان يتصافحان، ثم يهنئ لاعبو ألمانيا وجهازهم الفني الجماهير التي ملأت أكبر ستاد في العالم.. ماراكانا.. بالطواف علي كل المدرجات وهم يصفقون.. ويضحكون.
في الملاعب المحترمة.. لا يوجد شيء اسمه »‬العقد أو الكلاكيع» لذلك لا يحتاج هؤلاء البشر إلي قوات أمن »‬بالهبل».. ولا إجراءات جبارة لحماية اللاعبين أو المتفرجين.. وإنما العملية سهلة.. وفي غاية السهولة، لأنهم.. هناك في بلاد تحترم القانون، لا يعرفون أساليب »‬التخلف» التي تدمر.. وتأكل وتنخور في الرياضة، مثلما يفعل الموتورين والمتهورين ممن يدعون أن الكرة أو المدرجات للجماهير.. هم في الأصل يخربون ويعطلون، وينفذون برامج تخريبية الهدف منها العودة بالبلد إلي الوراء.
ورغم أ مشهد تسليم الميداليات كان عادياً.. إلا أنه بالنسبة لأمثالي كان جميلاً ومشوقاً، حيث دخل الفريقان إلي غرف خلع الملابس، وارتدي كل فريق بدل التدريب المميزة لكليهما، ودخلا معاً إلي أرض لملعب كما دخلاه قبل المباراة.. واصطفا بنظام رائع.
روعة هذا المشهد ذكرني بالحفل التاريخي لنهائي كأس مصر بين الأهلي والزمالك.. يوم تأخر الاحتفال لأكثر من ساعة، وعندما بدأ ظهرت كل أنواع »‬الهرجلة».. وبدا للجميع أنه ليس احتفالاً، وإنما نموذجاً لكيف تكون الفوضي.
يتحدث الكثيرون عن السادة المسئولين الأفاضل عن أهمية الاستفادة من تجارب الآخرين، حتي يصححوا أخطاء تعرقل مسيرتهم.. أما نحن.. فلا نتعلم، ولا نريد أن نتعلم.. وعندما يواجهنا البعض بمصائبنا، تخرج الردود سريعة الطلقات بعبارة: نحن أصحاب تاريخ.. ونحن الرواد.. إلي آخر الكلمات إياها التي لا تقدم.. وإنما حتماً »‬تجيب ورا»!
عموماً.. لم يحدث شيئاً في ستاد ماراكانا.. يوم سقط البرازيليون أمام الألمان في المونديال بهزيمة لن ينساها التاريخ.. فكان من الطبيعي أن يمر يوم نهائي الأولمبياد.. لا الهزيمة التي سيذكرهاالتاريخ أصابت أهل أو جماهير البرازيل »‬بعقدة»، ولا المكسب لذهبية ريودي جانيرو دفعت المشجعين للمبالغة في شيء.
هنا.. يظهر السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يدمر بهوات الألتراس الملعب والمدرجات عندما يخسر فريقهم.. بل انهم يدمرون بمناسبة وغير مناسبة.
الفارق كبير جداً.. بين مشجعين يأخذون من الرياضة روحها التي تبني وتسامح.. وآخرين يأخذون منها العصبية والتعصب والبلطجة.
أمر طبيعي.. أن يتحسر المرء عندما يقارن بين 200 ألف يملأون أكبر ستاد في العالم بالبرازيل.. كلهم شياكة وأناقة وتحضر.. وبين عدة مئات أو آلاف قليلة يصيبون بلداً كاملاً بالذعر، إلي أن وصل الأمر لكارثة أهلي مدينة نصر التي نفذها حولي 150 باشا.. دخلوا واقتحموا ونفذوا مخططهم وخرجوا وعادوا إلي بيوتهم زي الفل.. كما عادوا في كل مرة افتعلوا فيها كوارث أو أزمات.
كم كانت المشاعر الإنسانية جميلة في مباراة البرازيل وألمانيا.. كل ما كان في الملعب يستحق التوقف أمامه.. الابتسامات تعلو الوجوه.. الضحكات تملأ الأفواه.. والعيون تتلألأ بالبهجة.. لا كآبة، ولا »‬نتانة»، ولا أي نوع من ألوان التعصب.
الألمان يجلسون إلي جوار البرازيليين.. كل يشجع علي هواه.. ولم يشعر ألماني أو ألمانية بالخوف أو التردد في التهليل لفريقه.
وحتي بعد أن انتهت المباراة.. ظل البرازيليون يلوحون ويهتفون.. وبقي الألمان علي حالهم يرفعون أعلام بلادهم ويغنون.. لا فرق بين فائز وخاسر، لأنهم متحضرون يعرفون جيدً رسالة الرياضة.
في بلاد أخري.. يشيرون إليها بالتخلف، لا يجرؤ مشجع دولة أخري يجلس بين مشجعي البلد المضيف.. »‬حياكلوه»!
والواقع.. أن هذا.. هو الفارق بين عالم ينشد الوصول إلي الأهداف.. وعالم »‬يتفنن» في الإساءة لنفسه.
بصراحة.. لا يجب أبدً أن يضحك المسئول.. أي مسئول علي نفسه، لأنه حينئذ سيتسبب في كوارث لأجيال بريئة، وسيتحمل ذنبها.
.. وباختصار.. المسئولون عن الرياضة عبر عصور مضت.. خربوها.. وفي جملة واحدة: »‬جتنا نيله في حظنا الهباب»!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف