المساء
أحمد معوض
كلمة ونصف .. بوح جبريل
- ألو.. إزيك ياريس.. أحمد معوض معاك.
- أهلا.. أهلا يا أحمد.
- واحشني ياريس "لاحظ أن لقب ريس يطلق علي رؤسائنا وشيوخنا في المهنة ولكنه لا يليق بمن أتحدث إليه علي الطرف الآخر كما ستعرف بعد".
- ما تيجي.
- ما هو أنا بكلم حضرتك علشان أخد العنوان.
- 18 شارع سليمان عزمي - مصر الجديدة - هاستناك الساعة 8 بالدقيقة.
العنوان سهل. ليس هناك صعوبة في الوصول إليه. ومع ذلك وصلت بعد الموعد المحدد بساعتين بالدقيقة. حيث أصبح الوصول من مدينة السادس من أكتوبر إلي مصر الجديدة أشبه برحلة الصيف إلي الإسكندرية أو رأس البر في عدد الساعات التي تستغرقها!!
استقبلتني عند الباب. صاحبة العيون الساحرة. بطلة قصة حياة صاحب المنزل دكتورة زينب العسال. وجدته جالسا علي كرسيه في الصالة. يتابع علي التليفزيون مباراة في التايكوندو بين المصرية هداية ملاك ولاعبة اسبانية ضمن منافسات دورة الألعاب الأولمبية. وأمامه علي منضدة السفرة كتاب منكب علي وجهه. حاولت أن التقط اسمه. لكن نظري لم يسعفني.
جلست علي كنبة الأنتريه أمامه. ألقي بنظرات متفحصة علي المكان الذي أدخله للمرة الأولي. بينما قدمت لي مدام زينب قطعة من الشيكولاتة وذهبت بنفسها تعد قدحا من القهوة "بن العميد" القادم من دولة الكويت الشقيقة. كرم ضيافة وحفاوة استقبال نادرا ما تجدها هذه الأيام.
مجموعة من الصور لصاحب المنزل معلقة علي الحائط. وتلال وأهرامات من الكتب والصحف والأوراق تحيط بنا من كل مكان. وبعد تبادل أطراف الحديث عن أحوال الجريدة والبلد وآخر أعماله الأدبية. وصلنا إلي سؤالي عن آخر تطورات حالته الصحية بعد إجرائه لعملية في العمود الفقري. وتداعيات هذه الجراحة الدقيقة. والرحلة الشاقة بين ثنايا بيروقراطية الدولة. للقيام برحلة قد تكون أقل مشقة إلي الخارج لاستكمال مراحل العلاج. واختصارا للإجابة علي هذا السؤال أهداني روايته التسجيلية بعنوان ¢مقصدي البوح لا الشكوي¢. مؤكدا أنها ستجيب عن كل الأسئلة التي تشغلني وتخص حالته الصحية.
قراءة الرواية والقصة والأدب بصفة عامة. بالنسبة لي. كالوضوء أو الاغتسال. لتنقية الذهن وتهذيب النفس والارتقاء باللغة من براثن التلوث السمعي والمقروء والمكتوب من اللغات العامية والدارجة والصحفية.
لم أتعجب أبدا وأنا أسبح بين صفحات الرواية التسجيلية ¢مقصدي البوح لا الشكوي¢ من براعة السرد. وجمال الوصف. وسلاسة اللغة. وإثارة الحكي. في رواية من نوع نادر بطلاها المرض والموت. فلما العجب.. ومؤلف الرواية هو الكاتب والأديب الكبير محمد جبريل؟!
يا الله.. كيف يستمتع المرء برواية تتحدث عن رحلة من المعاناة في عيادات الأطباء والمستشفيات وغرف العمليات والبنج وقائمة طويلة من الأدوية؟! كيف يجد اللذة في قراءة سيناريوهات الموت والطرق المؤدية إليه؟ لكنه عمل من صنع جبريل. القيمة والقامة. الذي تأخرت كثيرا أن أكون بجواره أفيد منه. وأتشبع من إنسانيته قبل إبداعه. ومن شياكته قبل علمه وقراءاته.
لن أحدثك عن حجم المعاناة التي يشعر بها أديبنا الكبير والتي تحدث عنها باستفاضة في روايته التي جاوزت الــ 100 صفحة بقليل. ولكن فقط سأذكر أن إنسانا في عزة نفس جبريل وحرصه ألا يكلف غيره بكتابة كلماته علي الكمبيوتر وقبلها الآلة الكاتبة ليجنب الآخرين مشقة قراءة خطه. إنسان بهذه التركيبة وهذه الأخلاق عندما يبوح. فاعلم أن الألم جاوز المدي. ولم يعد القلب والعقل والإرادة تحتمل مزيدا من السكوت.
استاذ جبريل.. سلامتك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف