يبدو أن هيلاري كلينتون ستكون أسعد المرشحين الرئاسيين حظا في تاريخ أمريكا.. ليس لامتيازات خاصة فيها.. وإنما لأن منافسها الثري العجوز دونالد ترامب أثبت يوما بعد يوم انه مجرد مهرج أحمق.. فظ وعدواني.. جهول بأمور السياسة وإدارة شئون بلده.. فما بالك بإدارة شئون العالم؟!
والشعوب قد تنخدع أحيانا في شخصيات مثيرة تحدث فرقعات وصدمات.. لكنها في النهاية تبحث عن رجل دولة.. يقدر المسئولية ويتحملها.. متزن عقليا ونفسيا.. ليس مملوءا بالعقد ومركبات النقص.. والحقد علي كل من يخالفه الرأي أو الرؤية.. وهذا يفسر حملة النفور الجماعي من ترامب المقزز التي بدأت داخل حزبه الجمهوري.. ووثائق الرفض التي توقعها شخصيات كبيرة ومشهورة ضده وضد أفكاره المسمومة التي طالت المسلمين والسود والمهاجرين وأبناء أمريكا اللاتينية.. وهي أفكار من شأنها أن تقود أمريكا إلي حرب كراهية.. ثم إلي حرب أهلية.
انطلقت حملة النفور الجماعي ضد ترامب قبل أن تدخل المنافسات الانتخابية مراحلها النهائية.. فاستقال عدد كبير من معاونيه.. بمن فيهم رئيس حملته الانتخابية.. وأعلنت اسماء كبيرة في الحزب الجمهوري أنها ستصوت لصالح هيلاري وستضرب بمبدأ الالتزام الحزبي عرض الحائط.. وهددت بأن حزبهم سوف يفقد قوته الأخلاقية ¢المعنوية¢ لدي الجماهير بسبب المهرج الأحمق الذي لا يلتزم بأي قواعد سياسية أو أخلاقية في حديثه عن الآخر.. المخالف أو المنافس له.
لذلك.. كان علي ترامب أن يعيد النظر في خطابه وأسلوبه ومفرداته التي يستخدمها.. واشترط رئيس حملته الانتخابية الجديد أن يلتزم بقراءة الخطبة المكتوبة له حتي لا يخرج عن النص.. وهو الآن يحاول أن يخرج علي العالم بوجه جديد.. ويبدو في صورة المرشح المعتدل.. وكانت البداية بأن يقدم اعتذاره وأسفه للتلفظ بكلام مهين في سياق الحملة الانتخابية.
قال ترامب وهو يقرأ من ورقة في يده: ¢أحيانا في وسط نقاش محتدم.. وأثناء تناول جملة مواضيع لا نختار الكلام الصحيح.. أو نقول ما لا ينبغي أن نقوله.. هذا ما قمت به.. وصدقوا أو لا تصدقوا.. انني آسف علي ذلك.. آسف حقا.. وخصوصا حين يمكن أن يكون ذلك قد أساء إلي البعض بصورة شخصية¢.
وقد أثارت كلماته هذه الضحك والتصفيق بين الحشود التي تستمع إليه.. فالمهرج مهرج.. حتي وهو يعتذر.. حتي وهو يقرأ نصا مكتوبا.. فالكل يعرف أنه مضطر لهذا الاعتذار اضطرارا بعد أن سادت البلبلة حملته الانتخابية.. وبعد أن أصبح يعاني من تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي بسبب حمقه.. والألفاظ البذيئة التي استخدمها في خطاباته السابقة.. ليس ضد هيلاري وأوباما فقط وإنما ضد جميع مخالفيه.. والحركات الغريبة التي كان يأتي بها أثناء مؤتمراته الانتخابية.
وليس خافيا أن المسلمين في أمريكا.. والأزهر الشريف في مصر.. يحملون ترامب مسئولية تصاعد الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة والغرب عموما.. بعد تصريحاته وتعهداته بحظر دخول المسلمين أمريكا.. وإدعاءاته الباطلة ضد الإسلام والمسلمين.. بل حملوه في بيانات رسمية مسئولية الاعتداء علي المساجد وقتل أحد الأئمة المسلمين وإصابة مساعده.. كما يتعرض ترامب لهجوم واسع من السود الذين يحملونه أيضا مسئولية الهجمات العنصرية ضدهم.. ولذلك اضطر في خطبه الأخيرة ان يغازل السود ويعدهم بامتيازات خاصة في حالة وصوله إلي البيت الأبيض.
كما اضطر إلي مغازلة المهاجرين المنحدرين من أمريكا اللاتينية الذين كان يبدي لهم الاحتقار من قبل.. ويعدهم بإصلاح مدارسهم وتحسين ظروفهم المعيشية وتوفير وظائف لشبابهم.. مقابل تصويتهم له في الانتخابات.
هل يمكن أن تنجح حملة اعتذارات المهرج ووعوده في أن تحمله إلي البيت الأبيض؟!
الله وحده أعلم.. فالشعوب متقلبة المزاج.. والسياسة مليئة بالمفاجآت.