الأهرام
عماد عبد الراضى
دور الأبناء فى تربية الآباء
عفواً عزيزى القارئ، فأنت لم تخطئ فى قراءة عنوان المقال ولا أنا أخطأت فى كتابته، فالمعروف لدى الجميع هو دور الآباء فى تربية الأبناء وليس العكس، وبالرغم من أن هذا العنوان يخالف كل المتعارف عليه من قواعد التربية والتقاليد العائلية، فإنه يطرح سؤالاً لابد أن يبحثه علماء النفس والاجتماع وهو: هل للأبناء دور فى تربية أبائهم؟!
وقبل أن يظن القارئ أنى أكتب كلاماً خيالياً عجيباً، لابد أن أسرد تجربتى الواقعية التى جعلتنى أطرح الأمر بهذا الشكل، فمنذ أن رزقنى الله بابنى الأكبر – وعمره الآن 14 سنة - حرصت أن أتعامل معه تعامل الأب الصديق، فلا ضرب ولا توبيخ، بل تكفى كلمة لوم أو نظرة عتاب لتأدية الغرض، وكان هدفى أن أزرع فى قلبه الشعور بالاحترام وليس بالخوف، واستمر الأمر على ذلك حتى وصل إلى سن الثانية عشرة تقريباً، وهنا حدث ما لم أحسب له حساباً أو أضعه فى مخططى، فقد فوجئت به يزداد التصاقاً بى، ويحاول أن يكون معى فى كل مكان أذهب إليه، ثم تطور الأمر فلاحظت أنه يقوم بتقليدى فى كل شئ، وكان يصدر منه ما جعلنى أوقن أنه يراقبنى فى حركاتى وسكناتى، وكنت أتعمد سؤاله عن سبب ما يفعله، وكانت إجابته الدائمة: رأيتك تفعل ذلك.

ومن هنا أدركت أنى لابد أن أكون "مثلاً أعلى" مشرفاً لابنى، فكنت أحرص على كل فعل يأتى منى أمامه، وألا أفعل ما يجعله "هو" يرتكب أية أخطاء فى المستقبل، وشيئاً فشيئاً وجدت نفسى – دون وعى منى - أتخلص من الكثير من سلبيات حياتى، بل وأيضاً اعتدت على الكثير من الصفات الإيجابية التى ما كنت أفعلها إلا لكى يرانى ابنى ويقلدنى فيها فيكتسب تلك الصفات، لكن بدلاً من أن يتعلمها هو وجدت نفسى أعتاد فعلها لتصبح جزءاً من سلوكياتى، فبدا الأمر كما لو كان ابنى يقوم بتربيتى كما أقوم أنا فى الوقت نفسه بتربيته.

والسؤال هنا: هي يمكن أن يكون للأبناء بالفعل دور فى تربية آبائهم؟ وإذا كان الأمر كذلك.. فكيف يمكن أن نستغل الأبناء الصغار فى إصلاح سلبيات آبائهم؟.. بل هل يمكن أن يكون هذا اللون الفريد من التربية طريقاً لإصلاح سلوكيات المجتمع كله؟!

أسئلة كثيرة تستحق أن نقف عندها بكل عناية واهتمام، لكن البداية لابد أن تكون بإجابة ذلك السؤال الغريب الذى لا يزال يصيبنى بالحيرة: هل يمكن حقاً أن يربى الأبناء آباءهم؟!.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف