المساء
خيرية البشلاوى
رنات - "الرقص الشرقي" وآفة النفاق
في العشرة الأخيرة "1890" من القرن التاسع عشر قدم توماس اديسون "1847 ـ 1931" المخترع الأمريكي "الفوتوجراف ـ وكاميرا الصور المتحركة" عددا من الشرائط المصورة حول الرقص الشرقي "رقص البطن" تتضمن راقصات من تركيا بالإضافة إلي أخريات من مصر والجزائر وتستعرض الحركات الجنائية المرتبطة بهذا النوع من الترفيه.
وقدمت السينما الأمريكية لاحقا مشاهد من هذا الرقص في الربع الأول من القرن العشرين من خلال أفلام "التعصب" "1916" و"الشبح" "1921" وكيلو باترا "1917" و"سالومي" "1923".
هذه أعمال حاولت استثمار الشعبية الكبيرة لهذا النوع من الترفيه الشرقي الذي عرفته أمريكا مبكرا جدا واستثمره كثيرون بعد ذلك.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي مع بداية الهجرات العربية إلي العالم الجديد "أمريكا" وصل عدد كبير من العرب إلي نيويورك وبدأ بعض النساء تقديم هذا النوع من الرقص في الملاهي الليلية وفي المطاعم.
وفي مذكراته كتب اليهودي الصهيوني سول بلوم SoL BLoom "1870 ـ 1949" وهو من أصل بولندي وقد عمل لفترة قبل دخوله المعترك السياسي متعهدا ومنظم حفلات ترفيهية في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين وهو من اخترع تسمية الرقص البلدي باسمه الغربي الشائع "بيللي دانسنج" "Belly Dancing" وبالفرنسية "dance du venture" كتب يقول حين تعرف الجمهور "الأمريكي" علي ""البيللي دانسنج" امتلكت منجما من الذهب" حيث حقق ثروة كبيرة من ورائه.
و"بلوم" كان ينظم ويدير حفلات في سوق شيكاغو الدولي وفي المعارض الأمريكية الدولية التي تتضمن بنودا ترفيهية ومنها مسرح يقدم فقط راقصات شرقيات من سوريا وتركيا والجزائر وجميعهن اشتهرن "كمصريات" وباسم "فاتيما" التي ذاع صيتها جدا واسم المسرح الذي تقدم عليه هذه النوعية من الترفية كذلك اشتهرت الراقصات اللاتي تخصصن في تقديم هذه "النمر" في المعارض التي ينظمها وأطلق أسماء "مصر الصغيرة" LittLe Egypt و"شارع القاهرة" في السوق الدولي العملاق الذي أقامه علي مساحة هائلة في شيكاغو يتضمن مسرحا لعروض فنية ومباريات رياضية.
السطور السابقة مجرد دليل مختصر علي شعبية "الرقص الشرقي البلدي" أو "رقص البطن" كأحد أنواع الترفيه التي عرضها العالم الغربي منذ أكثر من قرن وانتشر في العالم كله من خلال آلاف الأعمال الفنية التي صورت عوالم الشرق الحسية الساحرة التي جذبت ملايين الناس.
"الراقصة" تعتبر بنداً رئيسياً في فنون الترفيه الشعبي.
والرقص "لغة" عالمية والمصريون يعشقونه بغض النظر عن نظرتهم "للراقصة" وإدانتها تلقائيا علي المستوي الأخلاقي حتي لو كان في هذه النظرة المتحفظة بعض الظلم.
وما يثير الدهشة هو هذه الضجة التي رافقت اختيار الراقصة "دينا" في حفل الجمعية العمومية للاتحاد الافريقي. أليس في هذا منتهي النفاق والعيار المغلوط للأمور.. هل اختيار دينا خطيئة تستحق هذا الاعتراض الذي شاركت فيه صحيفة بريطانية نقلت تصريحات مسئولي اتحاد الكرة الذين أعربوا عن استيائهم "!!" الكبير لوجودها. الأمر الذي فتح الباب أمام المزايدين والمحافظين حراس العفة والشرف لإدانة مرحلة بدأناها بتفاؤل وأيضاً إدانة فن شرقي أصيل تعرض مثله مثل سائر الفنون إلي استغلال وإساءة وسوء استخدام وتوظيف سوقي رخيص من تجار الفن.
والراقصة "المدانة" حاصلة علي ماجستير في الفلسفة ومفتونة بفن الرقص وصاحبة "مدرسة" وتبذل جهودا معلنة لتطويره كفن تعبيري يستخدم لغة الجسد كإحدي أدوات التعبير وهي ليست في حاجة مادية.
المشكلة ليست في الرقص وإنما في ابتذاله وتشويهه ومقطع الفيديو الذي يسجل أداء الراقصة في حفل الاتحاد لا يسيء إلا لمن يتعمد الإساءة والتشويه.
إذا كانت فنون الرقص ومنها الرقص البلدي نشاطا مدانا فلماذا نتهافت عليه جميعا ونشارك فيه في مناسباتنا العامة والخاصة؟ وإذا كان "الترفيه" آفة وخطيئة لماذا نسمح به؟!
ليس في كلامي دعوة لإطفاء أنوار البهجة المشروعة وإنما خوف من هؤلاء المنافقين الذين يرفعون السكاكين والمطاوي الفكرية في وجه أحد منافذ الترفيه. إن الآفة الحقيقية: النفاق والابتذال وكسر روح المصريين بغلق مصادر "الأوكسجين".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف