المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
ورد الجناين؟!
بالتأكيد لم يعد مجدياً، ولا جائزاً، التعامل مع شباب الألفية الثالثة، خصوصاً ما بعد 2011، بنفس طريقة التعامل مع مَن كانوا قبلهم، فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، فى السابق كان الشباب يلجأ إلى التنظيمات السرية، نتيجة عدم وجود وسيلة، أو فرصة للتعبير عن الرأى، استعمار واستعباد فى مرحلة، قهر وظلم فى مرحلة ما بعد الاستعمار، معتقلات وتعذيب فى كل الأحوال، النتيجة الطبيعية منشورات سرية، اجتماعات تحت الأرض، تفجيرات واغتيالات فى نهاية الأمر.

لا نسمع أبدا عن مثل هذه الممارسات فى دول العالم المتحضر، لسبب واحد، وهو الحرية، التى يندرج تحتها الكثير من الأمور، انتخابات حرة نزيهة فى كل المجالات، مجلس نيابى يعبر تعبيراً صادقاً عن المجتمع، صحافة حرة تتبنى وتناقش قضايا الناس بلا حساسية ولا خوف، بالتالى أَمِن الناس على أنفسهم، وعلى وطنهم، وعلى أعراضهم، وعلى قضاياهم، وعلى مستقبلهم، ومستقبل أبنائهم وذرياتهم من بعدهم، إذن ليست هناك أى ضرورة لأى أعمال عنف، أو حتى أى ممارسات مستفزة من أى نوع.

لدينا الآن الآلاف من الشباب فى السجون، هناك مَن هم فى الحبس الاحتياطى، هناك مَن حصلوا على أحكام فى بعض القضايا، إلا أن ما يجمع بينهم فى النهاية هو أنهم فى مراحل دراسية مختلفة، انقطعت صلة بعضهم بالدراسة، نتيجة أنهم كانوا فى كليات عملية، كالطب والصيدلة والهندسة، لا تصلح معها دراسة الانتساب من داخل السجن، وهناك البعض الآخر ممن استمر فى التواصل مع الكليات النظرية، ويتم السماح لهم بأداء الامتحان فى نهاية العام.

الفئة الأولى الخاصة بالكليات العملية انتهى مستقبلهم التعليمى، الفئة الثانية سوف يحصلون فى نهاية الأمر على شهادات بالتخرج، إلا أن ما سيجمع بين كل هؤلاء أيضاً كما جرت العادة أنهم أصبحوا كـ«المسجلين خطر»، وربما ما هو أكثر من ذلك، سوف تنبذهم كل الوظائف الرسمية، وربما غير الرسمية، بل سوف تنبذ أقاربهم من الدرجات الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وربما إلى ما شاء الله، لن تكون هناك فرص للالتحاق بكليات بعينها، كما لن تكون هناك أى فرص لوظائف مرموقة، أو حتى غير مرموقة، نحن أمام تصنيف للمجتمع، ليس له ما يبرره أبداً، إلا أنه التعامل الأمنى مع أوضاع سياسية بحتة، كان يجب التعامل معها بحجمها.

ما أثار انتباهى خلال الأيام القليلة الماضية هو قصة طالب الحقوق، الذى وجه من خلال مواقع التواصل الاجتماعى رسالة إلى رئيس الجمهورية، ينتقد فيها الأوضاع الراهنة، هاجت الدنيا وماجت، لدرجة استضافة والد الطالب فى مداخلة مع أحد البرامج، فكان من الشجاعة، لدرجة أنه لم يحاول أن ينفى عن ابنه فعلته، بدعوى سرقة هاتفه، أو بزعم السطو على صفحة الحساب على موقع التواصل، أو ما شابه ذلك، مؤكداً أن هذا هو رأيه الشخصى، وأنه قد يوافقه الرأى فى بعض ما كتب، ويختلف فى البعض الآخر.

الملاحَظ أن هناك الكثير من الشباب الذين تم اعتقالهم وتوجيه اتهامات إليهم، خلال العامين الماضيين، ربما لم يفعلوا أكثر مما فعل ذلك الشاب، وهو التعبير عن الرأى، إلا أن هذا الطالب فيما هو واضح نجا من ذلك السلوك الأمنى المشين، الذى لا يستند إلى أى قواعد تخدم المجتمع، إن حالياً وإن مستقبلاً، ذلك أننا نناصب العداء الأزلى، ليس لهؤلاء الآلاف من الشباب المعتقلين والمتهمين فقط، ممن كانوا يوماً ما «ورد الجناين»، وإنما أيضاً لذويهم وزملائهم وأصدقائهم، كل هؤلاء كان يمكن أن يصبحوا مواطنين صالحين، إن نحن تعاملنا معهم بنفس الطريقة التى تعاملنا بها مع الشاب سالف الذكر، كل منهم له ولى أمر فى النهاية كان يمكن اللجوء إليه، كل منهم له مستقبل كان يجب تحذيره من خلاله، كل منهم يفهم بعض القضايا خطأً، أو بطريقة منقوصة، والبعض الآخر قد يكون معه حق فى فهمه لها، إلا أننا فى النهاية أمام شباب فى عمر الزهور، كان يمكن التعامل معهم بالحجة والحوار، ومزيد من الأخذ والرد، وليس مزيدا من التنكيل والتعذيب، واقتحام البيوت الآمنة، لتتدحرج الغصة والضغينة، ككرة الثلج تماماً، حتى تصل إلى الحجم الذى يخرج بها عن السيطرة.

الكلام من خلال الفضفضة، والحوار من خلال الندوات، والكتابة من خلال المقالات، والتنفيس من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، وغير ذلك كثير من طرق التعبير عن الرأى، جميعها مراحل آمنة، تخدم المجتمع من كل الوجوه، هى بمثابة استطلاعات رأى فى ظل فشل هذه الوسيلة لدينا، إلى الحد الذى يجب أن تنتهى إيجاباً لصالح النظام، جميعها وسائل تضمن عدم اللجوء إلى ممارسات سرية من أى نوع، بالتالى عدم وجود مبرر لأى ممارسات عنف.

على أى حال، أرى أننا سوف نعود يوماً ما، شئنا أم أبينا، إلى إعمال العقل مع مَن نختلف معهم، أرى أنها أصبحت ضرورة على كل المستويات، احتواء الشباب والاستماع اليهم والحوار معهم ليست رفاهية، أو مِنّة من أحد، القضية فقط تتعلق بالوقت، الذى لا يجب أبداً أن يطول أكثر من ذلك، ما يجرى الآن لا يندرج أبداً تحت بند الإصلاح والتهذيب، ولا تحت بند السجون والمعتقلات، بقدر ما هى حضّانات، أو معامل تفريخ كوادر للمستقبل من نوع خاص، لا تعرف سوى لغة العنف، ولِمَ لا، فقد هيأنا الظروف التى تساعد على ذلك ونحن لا ندرى، وقد نكون ندرى، وهى قصة أخرى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف