المصرى اليوم
طارق الشناوى
درس حسب الله السادس عشر
فن التسويق والتجميل وتحلية البضاعة، هو بالطبع حق مشروع للجميع على شرط أن يضبطوا الجرعة، إلا أن أغلب فنانينا وعلى طريقة زينات صدقى فى ((شارع الحب)) يبسطونها أكثر مما يجوز ونحتمل، لنرى ((دلدقة)) الملوخية على رأس قُبعة عبدالسلام النابلسى ((حسب الله السادس عشر)).

لماذا صار عدد لا بأس به من نجومنا الكبار يفضلون العيش فى دولة الكذب؟ دائما لديهم إحساس وكأن على رأسهم بطحة، فينكرون ما لا يجوز إنكاره، لماذا لا نختار أسهل الطرق وهو المباشرة، القاعدة التى يعانى منها عادة أغلب النجوم فى العالم، وتفرض نفسها على الجميع، مع استثناءات قليلة جدا هى أن العمر كلما تقدم كان هذا يعنى على الجانب الآخر تضاؤل المعروض، مع هبوط حاد فى الأجر، وتتلاشى عادة رنات التليفون الذى كان لا يتوقف فى السنوات الماضية عن الرنين، الدعوات بالسفر للخارج فى حفل أو مهرجان أو حتى مجرد سهرة تصبح شحيحة جدا، وعلى الفور ترى أسلحة البقاء قد فرضت نفسها، وأولها الإنكار، الفنان لا يواجه نفسه أبدا بالحقيقة الدامغة وهى أن لكل زمان دولة، وأن هذا ليس زمنه وتلك ليست دولته.

بالطبع يظل دائما هناك الاستثناء لعدد من النجوم يجيدون النظر مباشرة وبلا خوف فى عين الشمس، أتذكر أننى لم يعجبنى آخر مسلسل لعب بطولته أستاذى محمود مرسى، وأستاذى مقصودة لأنه كان يدرس لنا فى معهد السينما مادة ((حرفية الإخراج))، وأنا أستطيع أن أقول إن محمود مرسى بقدر ما كان ممثلا عملاقا، فإن موهبة التدريس لديه لا تقل ألقا ولا عمقا، سألته فى لقاء جمعنى به بالصدفة أثناء عرض خاص لفيلم لم ير النور اسمه ((سكر زيادة)) تم تصويره بالديجيتال، سألته لماذا وافق على دوره فى مسلسل ((بنات أفكارى)) فلم يكن لائقا به لفارق العمر بينه وبين إلهام شاهين، لم يجادل ولم يجمل الحقيقة، قال لى الدور لم يكن لى، حاولت مع الكاتب محسن زايد والمخرج يحيى العلمى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن لم نستطع فعل شىء، سألته لماذا لم تعتذر؟ أجابنى كنت بحاجة للأجر، قالها بدون أن يبحث عن كلمات منمقة.

يوما سألت عمر الشريف، لماذا وافق على أن يسبقه اسم عادل إمام فى تترات فيلم ((حسن ومرقص))، قال لى ولا تفرق معى، حسيت إن عادل ح تفرق معاه وعايز يسبقنى، قلت لهم خلوه يسبقنى، ثم أضاف هو بياخد أجر أكبر منى، وجمهوره فى مصر أكبر أكيد، مش حكاية يعنى!!

الكبار لا تزعجهم الحقيقة ولكن أغلب نجومنا يرتدون طاقية الإخفاء، هم فقط الذين يعتقدون ألا أحد يراهم، ولهذا يخاصمون الواقع، بينما شركات الإنتاج لا تعنيها الجرائد ولا المواقع، المهم فقط ما تسفر عنه الأرقام فى السوق بدون طاقية الإخفاء.

إيقاع الحياة يتغير سريعا والخريطة الفنية لا تعرف الثبات، وهكذا تتبدل فى لحظات معادلات العرض والطلب، والفنان الذكى هو الذى يعرف متى يخفض أجره ومتى يقبل الدور الثانى ومتى يبتعد نهائيا عن ((الكادر)) ومتى ينكمش قليلا ومتى يسبقه الآخرون على ((التتر)).

لا أحد يتجاهل سطوة الأيام وعبرة الزمن، إسماعيل يسن كتب فى منتصف الستينيات رسالة إلى وزير الثقافة يتهم فيه مؤسسة السينما التى كانت تتولى الإنتاج بتهميشه وعدم السعى إليه ويؤكد أنها تمنح الفرص للآخرين، قبلها فقط بعشر سنوات كان قد ضرب الرقم القياسى عالميا فى عدد الأفلام التى يقدمها فى العام حيث وصل الرقم إلى 25، لم يعترف ((سُمعة)) أبدا بالحقيقة وهى اندلاع ثورة جديدة فى الكوميديا بدأت فى الخمسينيات إذاعيا فى برنامج ((ساعة لقلبك))، ثم انتقلت للمسرح والسينما فى مرحلة الستينيات، هناك الكثير من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، لم يلتقطها إسماعيل يسن قد لعبت دورا محوريا فى رقعة السينما التى هى أشبه بلعبة السلم والتعبان، يأتى سلم يرفعه للمقدمة وبعدها يلدغه ثعبان يعيده للمربع رقم واحد، تغيرت الدنيا، ولم تعد ترحب بإسماعيل يسن، وهكذا فرض جيل فؤاد المهندس نفسه على الشاشة والمسرح، تلك هى حكمة الحياة التى ننساها فى الزحام ((لو دامت لغيرك ما جاءت إليك))، إذا لم تستطع أن تواكب الزمن فلا أحد سيرحمك ولا مكان فى شركات الإنتاج للعيش والملح والعشرة القديمة، وفى العادة يتقدم النجم قبل مرحلة الأفول، بالعديد من الأفكار فى محاولة للتشبث للبقاء ولكنها تتعثر إنتاجيا بسبب مشكلة التسويق فى الداخل والخارج.

شىء من هذا ستجده فى مسلسل جديد لنادية الجندى منذ عامين وهى تحاول تصويره، ولكن لأسباب يعلم الجميع أنها تسويقية لا يتم استكماله، وهى منذ عامين مستبعدة من خريطة رمضان لأن اسمها فقد الكثير من الجذب، لو سألتها ستأتى الإجابة بعيدا عن الحلال والحرام، لن تتورط فى الدخول لتلك المنطقة التى انزلقت إليها فيفى عبده، ولكنها ستقول أرفض الزحام وأحب الروقان ولهذا ابتعدت عن رمضان، وهى بالقطع لا تمت للحقيقة بصلة قربى أو نسب. نبيلة عبيد رفيقة مشوار نادية الجندى لعبت فى رمضان الماضى بطولة مسلسل لإذاعة (القاهرة الكبرى) وافقت فقط لأن المسلسل سيحفظ لها فى (التترات) البرستيج الأدبى الذى تحرص عليه وهو أن يسبقها لقب (نجمة مصر الأولى) ليس مهما مدى مصداقية هذا اللقب الآن، فتلك كانت وستظل قضية أخرى ولكنها ستضيف بأنه قد عرض عليها ثلاثة مسلسلات تليفزيونية، دائما رقم 3 سيتكرر، لماذا ليس مسلسلين مثلا أو حتى أربعة، كلهم يفضلون رقم 3 وكالعادة وعلى طريقة الشىء لزوم الشىء تؤكد أنها رفضت وفضلت مسلسلا إذاعيا على (القاهرة الكبرى) بينما أغلب الجمهور يسمع لأول مرة أن هناك إذاعة اسمها القاهرة الكبرى، من وسائل الإنكار أيضا كتابة الأسماء على الأفيش وهى انعكاس لحالة النجم فى التسويق، ستجد أن لوسى فى مسلسل (الكيف) لم يرق لها كتابة الاسم فى الترتيب الذى حدده الإنتاج، فاختارت أبغض الحلال وأسوأ الحلول ألا يكتب اسمها أصلا، تصورت عدم كتابة الاسم يمنحها فرصة فى المسلسل القادم أن تطالب بمكانة أفضل، رغم أن القادم فى هذه الحالة لا يمكن أن يكون أفضل.

هناك وسائل الدفاع التى أشهرها ترديد هذا الموال (السوق سوق الحلاوة جبر/ واتقمعوا الوحشين) هذا هو أحد الأسلحة التى ستجدها عندما تسأل الكبار من المخرجين الكتاب والملحنين والشعراء عن سر ابتعادهم، سيقولون لك إنه زمن الضعفاء وأنصاف الموهوبين الذين يستجيبون لشركات الإنتاج، وأنهم لو تنازلوا لعادوا مجددا للدائرة إلا أنهم لا يعرفون أبدا أنصاف الأشياء، ستلمح أن لديهم دائما رغبة عارمة يرددونها بضرورة عودة الدولة للإنتاج وهى تبدو للوهلة الأولى دعوة صائبة وصحيحة، ولكنها فى الواقع لا تعبر عن الحقيقة المسكوت عنها، وهى أنهم لم يعودوا بلغة الأرقام يمتلكون جذبا جماهيريا والجهة الوحيدة التى تمنحهم أجورهم ولا يعنيها الأرباح والخسائر هى الدولة، ولهذا فلا بأس من أن يدافعوا عن عودة الدولة للإنتاج.

ومن المواقف الطريفة الاتفاق بين نجمة لا تعمل ومخرج لم يعد مطلوبا، عندما يسألون النجمة عن مشروعها السينمائى القادم تقول أستعد خلال الأشهر القادمة للدخول مع المخرج إياه فيلما جديدا وهو على المقابل عندما يريد أن يؤكد للجميع أنه لايزال فى الميدان يقول لهم إنه يستعد لإخراج فيلم لتلك النجمة، وعلى مدى خمس سنوات والخبر لايزال وسيظل خبرا، الحقيقة ليس الكبار فقط هم الذين يلجأون لسلاح الكذب، ولكن عددا من النجوم الجدد الذين فقدوا الأمل فى البطولة المطلقة عندما يسألونهم هل تحلمون بالبطولة وصدارة الأفيش والتترات، يقولون أبدا نريدها بطولة جماعية، لماذا صاروا مسرفين فى الجرعة ويبسطونها أكثر مما ينبغى ونحتمل، ولا يتعلمون الدرس من ((حسب الله السادس عشر))!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف