الأهرام
سكينة فؤاد
الظهير الشعبى.. وأسباب للقوة وللضعف!
كانوا وسيظلون أهم أرصدة قوة وصلابة مصر قديما وحديثا.. الملايين من الشغالة والعاملين من ملح الأرض الحافظ للحياة.. أصحاب التضحيات والبطولات والابداعات الإنسانية في انجاز فنون العيش المستحيل.. الذين لم يأكلوها مسروقة ولا منهوبة ولا مغموسة في حرام ـ الملايين من الظهير الشعبي الذي خرج في 30/6 يسترد ثورته وينادي علي دعم جيشه الوطني. هذه الجموع والأرصدة الوطنية ـ الرصيد الشعبي الذي لم تتوقف دعوتي في عديد من المقالات السابقة عن ضرورة دعمه، وتوفير جميع أسباب قوته ووحدة صفه وحمايته من محاولات آثمة لاختراقه وكسر صلابته ونشر اليأس والتشكيك بين صفوفه، وتحقيق آماله التي طالت في انتظار العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحماية استحقاقاته المبدئية في العيش والحرية والكرامة الإنسانية.وقد لفتني وسط مجموعة من الرسائل المهمة التي جاءت في حوار الرئيس مع رؤساء تحرير الأهرام والأخبار والجمهورية أن يكون احترام ورعاية ودعم الظهير الشعبي في مقدمة هذه الرسائل.. إن الظهير الشعبي حول سياسات الحكم يحقق إجماعا وتوافقا في غياب ظهير سياسي للسلطة حيث لا يوجد حزب يعبر عن توجهات الحكم في مقاعد الأغلبية ـ لم يتناقض هذا مع حرص الرئيس علي تأكيد أهمية وجود الأحزاب وقوتها كجزء أساسي من البناء الديمقراطي لأي دولة ـ وإن ظل الحزب الاكثر أهمية في رأيي هي جموع وملايين الشعب خاصة في ظل الواقع الحزبي المصري ـ والمسافات مازالت بعيدة بين هذه الملايين والقاعدة الأعرض من الأحزاب التي لا وجود فعلي لها وسط المصريين ولا برامج تعرفها وترتبط بها علي أساسها.

ــ السؤال الذي تفرضه رسالة الرئيس كيف يظل هذا الظهير قويا وصلبا وداعما لدولته ومستعصيا علي محاولات شق الصف التي تبذل، وكيف يظل يمتلك الثقة والطاقات الإيجابية التي فرضت التغيير في 30/6 وقامت بحماية مصر من نيران صراع وحرب أهلية أرادت جماعة الإخوان إسقاطها فيها، ومازالت محاولاتها الإجرامية متواصلة رغم ادعاءات وأكاذيب المصالحة..!!.

جوهر الظهير الشعبي الداعم لدولة 30/6 مواطن يتوافر له ويتحقق ما خرج من أجله في 25 يناير 2011 و30/6/2013 أن يسترد وطنه وكرامته وعدالة وجوده واستحقاقاته فيه وأول ضماناتها أن يكون شريكا في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبما يستدعي ويعظم احساسه وايمانه وبقوة ومصداقية بالانتماء والمسئولية عن كل ما يحدث في بلاده وادراك ما أمام ووراء كل قرار يتخذ فيها باعتباره شريكا لا متفرجا، وهذه المشاركة لا تقل أهمية عن اجراءات الحماية التي تحدث عنها الرئيس والتي تمثل شبكة واسعة من الخطوات والاجراءات ومنها معاش تكافل وكرامة ورفع الحد الأدني للمعاش ومد مظلة الضمان الاجتماعي لجميع من يحتاجون إليه ـ وصف الرئيس طبيعة الإجراءات المطلوبة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية أنها بمثابة دواء مر المذاق، وأنه لابد من حلول مناسبة لتحقيق الإصلاح حتي لو كانت موجعة وبشكل مؤقت ونفي الرئيس أن يؤدي ضغط المصروفات إلي تقليص الإنفاق علي برامج الرعاية الاجتماعية.

ومهما تكن الضرورات، فالدواء المر لا يمكن أن يظل من عاشوا يتناولونه عشرات السنين عليهم أن يتحملوه سنوات أخري ويجب أن يفرض تناوله أولا علي من لم يتناولوه علي الإطلاق أو من كانوا السبب في أن تعيش الملايين من المصريين تتجرعه طوال السنوات الماضية والتي تجعل حتي الحلول التي تلجأ إليها الدولة الآن للتخفيف شديدة التواضع مثل رفع الحد الأدني لمعاش الضمان الاجتماعي من 50 إلي 125 جنيها!! ومد مظلته لتشمل 2.5 مليون أسرة، بينما يزداد عدد المستفيدين من معاش كرامة وتكافل إلي 1.5 مليون أسرة خلال العام المقبل!! في الظروف الاقتصادية الخانقة تبدو هذه الأرقام إنجازا رائعا، ولكن ماذا تمثل بالنسبة لمرارة الموروث من عشرات السنين، والأرقام الحقيقية للفقر والعوز؟! ثم يأتي ليحول بين المواطنين والانتفاع بثمار محاولات الإصلاح والإنقاذ نموذج واحد من مئات النماذج التي تنشر قام سبعة من العاملين بمكتب بريد أبوتيج الفرعي ودوينة ونزلة باقور وبني سميح التابعة لمركز أبوتيج بالاستيلاء علي 450 مليون جنيه من معاشات الأرامل والمطلقات بمشروعي تكافل وكرامة لثلاثة أشهر، واختلاس 25 مليون جنيه من حسابات المعاشات في بريد أسيوط، وفي مجال استغلال الموتي بلاغات جماعية إلي نيابة إسنا بمحافظة الأقصر لأسر فلاحين يتهمون فيها جمعية زراعية كبيرة بالتزوير واستغلال أسماء 150 مزارعا، بينهم 22 من أقاربهم المتوفين ووضعهم في قوائم القروض!!

ــ إذا كانت نسبة ما يكتشف إلي ما لا يكتشف لا تتجاوز 10%، فكم يضيع علي المواطنين من محاولات الإنقاذ؟!، ثم ألا يعني هذا أن الحرب علي الفساد والقضاء عليه ضرورة من ضرورات دعم وإنقاذ الظهير الشعبي؟! أيضا من أهم مقومات دعم هذا الظهير وما ورد في رسائل الرئيس أن التمسك بحقوق الإنسان واحترامها، وعلي رأسها الحق في الحياة، وفي المأوي، وفي الأمن والعمل والمأكل والمشرب والعلاج، وما يجب أن يضاف إليها من حقوق الكرامة الإنسانية، وعدم التمييز، هو ما يوجب علي الحكومة أن تعلن سياستها العاجلة والآجلة لتمكين المواطن من هذه الحقوق، وإجراءات الحساب والعقاب للتقصير والممارسات التي تتحدي وتدهس هذه الحقوق، وهو ما يجب أن يحوله مجلس النواب إلي قوانين، بالإضافة إلي المؤكد من ضرورة التوازن ما بين احترام الحقوق والحريات، والاعتبارات الأمنية، ويؤكد ضرورة المسارعة مما تحدث عنه الرئيس من تحديث وتطوير جهاز الشرطة.

ــ يحتاج دعم الظهير الشعبي إلي إنهاء عذابات المواطن داخل جهاز إداري مترهل وفاسد، وتفكيك شبكات الفساد التي تحكم الإدارة المحلية، واتخاذ جميع الإجراءات التي تحول انتخابات المحليات القادمة إلي ثورة جديدة وحقيقية، ولا أعرف كيف يختار محافظ لمحافظة لا يملك معلومات كاملة من سكانها ومشكلاتها وثرواتها الطبيعية والبشرية، والنتيجة هذه المشاهد العبثية التي التي تحدث في جميع محافظات مصر، والتي لا توجد وسيلة أقصر ولا أيسر منها لإفقاد المواطن القدرة علي الصبر والاحتمال.

ــ ليس أصعب من استمرار قوة وتماسك الظهير الشعبي إذا استمرت أغلب السياسات والممارسات التي تحدث الآن، وليس أسهل من هذا إذا أصبح احترام المواطن وإجابة مطالبه وحل مشكلاته، وإعطاء الدواء المر في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ مصر لكل من لم يتناولوا إلا خيرات ونعم هذا البلد وجعل القدرة علي دعم وتعظيم ثقة واطمئنان الظهير الشعبي ميزانا أساسيا لاختيار كل مسئول في مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف