عبد المنعم فؤاد
الطيب في الشيشان والمؤتمر في الإسكندرية
في الوقت الذي تنقل فيه الفضائيات العالمية مدي تقدير العالم لمصر المحروسة، وأزهرها الشريف، ويفخر كل مصري بشيخ الأزهر، وإمامه الأكبر، وهو يُستقبل في الشيشان استقبال الرؤساء حيث يقف رئيس دولة الشيشان أمام سلم الطائرة ليحتضن شيخ الأزهر، بل ويقود السيارة بنفسه بعد ذلك إكراما، وإجلالا لعالم مصر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، ويتحرك بسيارته في وسط شعبه الذي اصطف علي الطرقات مهللا، ومكبرا، ومعبرا عن حبه للأزهر وعلمائه، وشيخه، ومناهجه : نفاجأ في مصرنا العظيمة بتصريحات غريبة لوزير ثقافتنا المصري نشرتها إحدي المواقع الاليكترونية أول أمس الجمعة وفيها يحرض المجتمع المصري والحكومة علي الأزهر، ومعاهده الدينية، ويطلب النظر في ذلك بحجة أن هذه المعاهد تُنتج العنف، والتطرف ويقول: ( إن المجتمع المصري يجب أن يواجه بشجاعة ظاهرة العنف والتي ترجع إلي عدة أسباب منها : توغل التعليم الأزهري في مصر حيث يشكل التعليم الأزهري نسبة كبيرة بين المصريين، وهو أمر لابد من إعادة النظر فيه.. وكذلك إعادة النظر في المناهج الدينية التي تدرس في هذه المعاهد... ثم تحدث عن الخطاب الديني مدعيا أن مؤسسة الأزهر لم تنفذ حتي الآن تعليمات الرئيس ولم يحدث أي شئ حقيقي في ذلك ) وهذه التصريحات - إن كان قالها سيادة الوزير كما نُشر حقا فهي مصيبة - ولنا معها وقفات
أولا : إن تصريحات الوزير هذه في هذا الوقت الذي كان فيه الإمام الأكبر خارج مصر يُعالج الفكر العالمي من فيروسات العنف التي تجوب الدنيا، ويثبت أن الإسلام الذي يعلمه الأزهر لأبنائه بعيد كل البعد عن ذلك : لتُشعر بالقلق، وتطرح في النفوس حشدا من الأسئلة منها: لماذا لم يفخر الوزير بأزهره، وشيخه كما يفعل الآن أبناء مصر، والآخرون خارج مصر، وهل يضير الوزير أن تفخر الدنيا بالأزهر، وتقدر دوره، ومناهجه، وتطلب الدول الإسلامية جمعاء إرسال أبنائها إلي هذه المعاهد التي يحرض الوزير عليها ويطلب النظر في توغلها ؟
وهل من اللائق أن يصدر تصريح مثل هذا، ويرسل للعالم كله الآن من وزير مسؤول ليحرض علي عدم إرسال ابنائه للأزهر( إذ هو يعلم من وجهة نظره العنف والتطرف ) !.، في وقت تعاني فيه الدولة من السياحة والعملة الصعبة، وعدم إقدام الأجانب علي مصر ؟ هل حسب حسابا لذلك، وعلم نتائج ما يقول علي البلاد ؟
ثانيا : أين هو العنف الذي انتجه الآزهر، وقدمه لمصر، والعالم هل وجد هذا في شخص وعلم الشيخ الشعراوي، أو عبد الحليم محمود، أو جاد الحق، أو محمد الغزالي، أو د.الطيب ومن قبلهم، رفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده، وسعد زغلول، وأحمد عرابي وكلهم تعلموا في معاهد الأزهرأو اهتدوا بها وكانوا قادة في العلم، وحسن الخلق وبهم تفخر مصر والدنيا كلها ؟؟؟؟؟!
فأي عنف هذا االذي انتجه الأزهرومناهجه ويحدثنا عنه الآن وزير ثقافتنا ؟ وهل يستطيع سيادته أن يدلل لنا عن مصدر العنف الذي وقع في العراق، وفي سجن أبو غريب، وفي سجن جونتاناموا، وفي اليمن، وفي سوريا، وفي لبنان، وفي بورما والتي يحرق فيها الرجال والنساء أحياء، هل الأزهر هو الذي أنتج هذا، وتخرج أبطاله من جامعته العريقة ؟!.
ثالثا : يقلق وزير ثقافتنا من توغل المعاهد الدينية وإقبال المصريين عليها، ويطالب بإعادة النظر في ذلك، ونسي سيادته أن حب الدين فطري في قلوب المصريين، وأن الأزهر معشوقهم لثقتهم فيه، وفي علمائه، بل معاهد الأزهر محل حب، وتقدير لغير المصريين أيضا،
وليت الوزير سمع الرجل الأندونيسي وقت زيارة الإمام الأكبر لأندونسيا وهو يقول للصحفي المصري :
( إنني أبكي حينما يذكر اسم مصر لحبي فيها، وفي أزهرها الذي تعلمت فيه، فمصر ليست مصركم فقط، والأزهر ليس أزهركم فقط، بل مصر هي مصرنا، وأزهرها الكريم هو أزهر كل الأندونسيين ) يا الله !!.. أي فخر،وأي عظمة وهبها الله لهذا البلد العظيم، وأزهرها الكريم والذي يتهمه وزير ثقافتنا الآن بأنه مصدر للعنف والإرهاب !!!.
إنني وأنا اتجول في أندونيسيا لم أر شارعا، إلا وفيه اسم الأزهر.. فتجد بقالة الأزهر، ومدرسة الأزهر، وشارع الأزهر، ولما سألت لماذا تفعلون ذلك؟ قالوا تبركا باسم الأزهر، ونحن هنا في مصر نريد إعادة النظر في كثرة معاهد الأزهر، والتي هي صمام أمان للعقول. فلو أغلقت المعاهد فعقول الشباب ستكون عرضة للاختطاف من أياد غير أمينة، ولذا كان واجبا علي السيد الوزير أن يطالب بإعادة النظر في مناهج وزارة التعليم قبل الأزهر وتدريس التربية الدينية لا رفضها، حتي يتخرج الطالب، ولديه مضادات حيوية ضد أي فكر متطرف، أو عنف دخيل، لكن سيادته رأي عكس ذلك تماما كما صرح، الأمر الذي يجعل عقول الشباب بعد التخرج عرضة لأي اختطاف من أي شخص دون النظر إلي مصدر تعلمه.
رابعا : يتهم السيد الوزير الأزهر بأنه لم يستجب لدعوة السيد الرئيس في تجديد الخطاب الديني، وهو اتهام في غير محله يصدر بدون سند، ولا برهان. بل الرئيس نفسه لم يقل هذا الادعاء إنما اطلع سيادته علي خطوات التجديد من فضيلة الإمام، واعلن أن الدولة تقف خلف الأزهر جامعا، وجامعة، وساعة أن يقول وليّ الأمر ذلك فهو أدري بشعاب مكة من غيره، ولا يقول قولا يُجامل فيه الأزهر، بل يضع الأمور في نصابها بحكمة، وقدر، فهل السيد الوزير أعلم بالأمر من ولي الأمر أم ماذا ؟.
ثم ما هي الخطوات التي قامت بها وزارة الثقافة في مساعدة الأزهر في تجديد الخطاب الديني، فالأزهر أنشأ مرصدا عالميا بعشر لغات يرصد من خلاله الشبهات ويرد عليها ، وأنشأ المرصد العالمي للفتوي ليرد علي الأسئلة لجميع المسلمين في العالم بكل اللغات، واقام مؤتمرا عالميا ضد العنف والتطرف الداعشي حضرته أكثر من سبعين دولة،وأخرج كتبا في الثقافة الإسلامية تناقش كبريات القضايا مثل : التكفير والجهاد، والتطرف، والحاكمية، والإرهاب، والخلافة، وغيرها، وقرر دراستها في المراحل الإعدادية، والثانوية، وينتظر من وزارة التعليم الاستجابة لدراستها، والأزهر طور المناهج، وقدمها بأسلوب يجمع بين الأصالة، والمعاصرة، ويطور الآن مناهج الجامعة، وأقام مركز الزكاة لمساعدة الفقراء، ويعطي دورات باللغات المختلفة في أروقة الأزهر، ويتحرك شيخه في كل أنحاء الدنيا ليقدم الإسلام بصورته الحقيقية، وليس بالصورة الداعشية، إلي غير ذلك من جهود..
فهل قدمت وزارة الثقافة شيئا ملموسا مثل ذلك - يساعد في تجديد الخطاب مع الأزهر -مع احترامنا لدورها الكبير - ؟ هذا ما نتمني أن نراه... فمصر ليست مصر الأزهريين فقط، بل مصر للجميع، والجميع يجب أن يقف صفا واحد في عملية البناء لمصر، ولا يليق اتهام مؤسسة بعينها بأنها تُصدر العنف فهذا تجن!. لأن الأزهر جزء من مؤسساتها، والتقليل من دوره هو تقليل من دور الدولة، ولو كان هذا التصريح قد صدر من جماعة هم في موقع المتفرج ما اهتممنا به، أما وأنه يصدر من وزير محترم هو في موقع المسئولية فهو مدعاة للقلق، فالأزهر قلعة العلم ورمز الوسطية شاء من شاء، وأبي من أبي.