المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
نورت.. يا قطن النيل«١-٢»
شدتنى صورة وزير الزراعة يقف وسط حقل مزروع بالقطن.. وأعادتنى إلى زمن كان عظيماً، زمن يبدأ من قرنين من الزمان، من أيام محمد على باشا، عندما أدخل إلى مصر زراعة هذا القطن.. إلى أن أصبح هذا القطن هو عماد الاقتصاد الوطنى كله: زراعة وصناعة، وغذاء.. وتجارة!! ووصلنا عندما تفوق القطن المصرى طويل التيلة على أى قطن آخر من نفس نوعيته، أمريكياً أو هندياً، وأصبح لهذا القطن ملكة من أجمل فتيات مصر، هى ملكة القطن.

ورغم أن حكاية القطن فى مصر تبدأ باستخدامه كزهور تزين القصور والبيوت، إلا أننا استطعنا أن نحوله إلى أهم مصادر الثروة والقوة المصرية.. إذ حول هذه الزهرة وشجيراتها القصيرة التى لا تتعدى ارتفاع قامة الإنسان قام اقتصاد متكامل.. والأهم أنه كانت الحصة الكبرى من القوى العاملة تعمل فى هذا المحصول الواحد.

ففيه كان الصبية، صبياناً وفتيات، يجدون فرص العمل والكسب، سواء وهو مجرد شجيرة لمقاومة دودة القطن، أو عندما يقترب موعد الحصاد، حتى إننا كنا نؤجل بدء العام الدراسى فى المحافظات التى تزرع القطن إلى ما بعد نهاية موسم جمع القطن، وكنا نطلق عليه موسم «جنى القطن» لتوافر العمالة - من التلاميذ - لجنى هذا القطن، فى «عب الصبى أو الصبية»!! حتى لا تتأثر رتبته إذا وضعناه فى أوعية خشنة.. ورغم أن موسم جنى القطن كان وحده موسم المال.. والزواج والرواج.. إلا أننا عرفنا كيف نستغل كل شىء فى هذه الوردة شديدة البياض.

مثلاً، قامت عملية جمع القطن فى أجولة من الخيش الجيد الجاف حتى لا تنخفض رتبته.. ثم تبدأ عملية نقل القطن إلى مصانع الحليج. ولذلك كانت فى مصر عشرات المحالج التى تعده - إما إلى التصدير إلى مصانع الغزل والنسيج فى منطقة لانكشاير الإنجليزية، أو إلى مصانع الغزل والنسيج المحلية - لتقوم فى مصر مجموعة من أكبر مصانع الغزل والنسيج.. وهى المصانع التى اعتمد عليها عبقرى مصر العظيم طلعت حرب منذ أنشأ بنك مصر، وكانت بداياته فى المحلة الكبرى حيث أقام أكبر مصانع فى أفريقيا.. كانت مدينة متكاملة: غزل، نسيج، صباغة وتجهيز. وكانت المدينة العمالية الأولى فى مصر وفيها تتوافر مساكن العاملين وعياداتهم ومدارسهم ومساجدهم، ونواديهم.. مدينة متكاملة الخدمات، حتى أصبحت المحلة أكبر حتى من طنطا العاصمة، ولما نجح هذا المشروع.. كرر الرجل نفس التجربة فى منطقة كفر الدوار: مصانع الغزل والنسيج الرفيع، وصباغى البيضا.. والحرير الصناعى.. بنفس مواصفات المدينة المتكاملة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف