ينظر الناس لرجل الشرطة الذى يصفع مواطناً على أنه وحش آدمى، وهم لا يترددون فى فضح ممارسات من هذا النوع والتنديد بها بالقول والكتابة.. هذا كله منتشر وشائع ومفهوم. لكن هل تدرون لماذا يصعب أن تتوقف هذه الممارسات؟، ليس الأمر عائداً فقط إلى الإرادة السياسية المفتقَدة أو قُل المتساهلة والمرحبة بالانتهاكات، لكن لأمر آخر أكثر أهمية.
حدثنى أحد الأصدقاء عن حادث وقع له عندما اندفع شاب رقيع بسيارته، فصدم سيارة صديقى ومعها سيارة أخرى مسبباً أضراراً جسيمة للسيارتين. خرج صديقى من السيارة مثل المجنون يريد أن يبطش بالشاب الأرعن. قال لى: كنت أريد أن أمزقه بأسنانى لكننى فى اللحظة الأخيرة توقفت خشية أن ينالنى منه سوء، وكذلك خشية أن يكون مسنوداً وأهله من أكابر اللصوص الذين لا يستطيع أحد مواجهتهم. أكمل صديقى قائلاً: بعد ثوانٍ خرج من السيارة الأخرى التى أصيبت شاب توجه مباشرة نحو السائق الطائش وأخرجه بالقوة من سيارته ثم سدد له فاصلاً من اللكمات فى الوجه وطرحه أرضاً، ثم دهسه بقدميه وظل يضربه بكل ما أوتى من قوة، وعندما تدخل بعض الحضور لتخليصه من يده رفع فى وجههم كارنيها عرفوا منه أنه ضابط شرطة.
خلصت من هذه الحكاية إلى أن الناس فى مجتمعنا أقرب إلى البدائية فى سلوكهم، ولا يردعهم عن الانتقام الوحشى سوى خشية الرد العنيف، لكن الواحد منهم عندما يأمن الحساب فإنه ينحّى القانون جانباً ويطلق العنان لغرائزه ويتركها تثأر له ممن أغضبه. لقد كان صديقى يريد أن يبطش بالشاب الطائش، لكنه خشى النتيجة فتراجع، بينما أمن الضابط العقاب فتصرف تماماً على النحو الذى أراده صديقى، وفعل بوجه الفتى ما كان صديقى الحانق يتمنى أن يفعله. كيف بالله عليكم نقيم دولة العدل والقانون إذا كنا نرحب بقانون الغاب فى التعامل فيما بيننا؟!.. إن صديقى وغيره من الناس لن يتورعوا عن سحق الضعيف الذى بلا غطاء إذا ما أخطأ فى حقهم، ولن يعطوا لأنفسهم فرصة للعفو والتسامح، كما لن ينتظروا حكم القانون. يكفى أن ننظر إلى ما يحدث للحرامى إذا ما تم الإمساك به فى أحد شوارعنا. لقد وعينا منذ الصغر إلى أن صيحة: امسك حرامى تعنى أن ينطلق الناس فى أثر اللص ثم يحاصروه قبل أن يوقعوه على الأرض، وعندها تنطلق شياطين الغضب والثأر من نفوس الجميع.. كل واحد يسدد للحرامى ما يخرج من ذمته من صفعات ولكمات وركلات، كلٌ بقدر استطاعته. يفعلون هذا مع شخص لا يعرفونه، ولم يسبق لهم أن رأوه من قبل.. يصبح الرجل مستباحاً كلية، ويفقد حقوقه الدستورية والقانونية والإنسانية، لأن الناس قررت أن تخرج عُقَدها وأحقادها الدفينة فى شخص لن يستطيع إيذاءهم. يحدث هذا على الرغم من أنه لا شرع ولا دين ولا قانون يقول بضرب اللص أو تعذيبه. الطبيعى هو تسليمه للشرطة ثم تتم محاكمته والحكم عليه وهو موفور الكرامة.
من الصعب أن نستطيع إلزام رجل الشرطة باحترام القانون ما دمنا نشجعه على ضرب اللص الذى سرقنا!.