فى الثلاثين من أغسطس سنة 2006 رحل عن عالمنا نجيب محفوظ. والثلاثون من أغسطس يوافق غداً الثلاثاء. أى أن الرجل مرت عشر سنوات بالتمام والكمال على رحيله عن عالمنا. وبمناسبة هذه السنوات العشر أتوقف ومن المفترض أن يتوقف معى أهل مصر وأشقاؤنا العرب وإخوتنا من أهل الإسلام لكى نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا للرجل خلال عشر سنوات على رحيله؟.
وعندما اكتشف أننا لم نفعل للرجل أى شيء. رغم أن السنوات العشر فترة زمنية طويلة وليست قصيرة لا بد إذن من أن نعتذر جميعاً للرجل. ولست أدرى هل يقبل الاعتذار، وإن كنت متأكد أنه سيقبله. فقد كان طيبا خلوقا يرضى بالقليل ولا يبالغ فى مطالبه من الآخرين. ولست أدرى هل تقبل ابنتاه فاطمة وأم كلثوم أو كما نناديهما فاتن وهدى هذا الاعتذار أم لا؟.
وإن كنت أعتقد أيضا أنهما ستقبلان الاعتذار شكلاً وسترفضانه فى أعماقهما. فقد سلمتا مقتنيات والدهما لوزارة الثقافة من أجل المتحف الذى لم يخرج للوجود حتى الآن. مازلت أذكر أنه فى مسجد آل رشدان عندما أقيمت الجنازة الرسمية لنجيب محفوظ بعد أن أقام المصريون له جازة شعبية فى مسجد سيدنا الحسين. يومها فإن الوزير الفنان فاروق حسنى اتخذ قرارات سريعة وحاسمة. ونحن وقوفاً فى انتظار أن تبدأ الجنازة. كان القرار الأول إقامة متحف يليق بنجيب محفوظ.
شكَّل الوزير الفنان لجنة من المثقفين وكبار المسئولين بوزارة الثقافة. كان هدفها الاحتفاء بنجيب محفوظ ومناقشة الأفكار التى يمكن أن تطرح وتنفيذ ما يمكن تنفيذه على أن يكون هناك شيء ملموس مع قدوم أربعين نجيب محفوظ.
اجتمعت اللجنة أكثر من اجتماع. بعضها برئاسة وزير الثقافة ثم استمرت الاجتماعات برئاسة الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور جابر عصفور. وطرحت أفكار ونوقشت آراء وقيلت كلمات. لكن باعتبار أن الخواتيم هى الأساس. فإننى أكتب الآن وبعد عشر سنوات أنه لم يتم أى شيء لنجيب محفوظ.
كنت عضوا فى هذه اللجنة ذ كان ذلك فى سبتمبر سنة 2006 واجتمعت اللجنة. وكان القرار الأول الذى اتخذته اللجنة فى اجتماعها الأول. إقامة متحف لنجيب محفوظ. كان هناك فى الاجتماع كلام طويل عن أهمية متاحف الأدباء فى العالم. وأن هذه المتاحف من الأعمال الاقتصادية التى تقدم عائدا ماليا ربما يتفوق على بعض المشروعات ذات الطابع التجاري.
يومها تكلمت مطولاً عن متاحف الأدباء التى زرتها بنفسي. وأدركت العائد المعنوى والأدبى والحضاري. علاوة على العائد المالى من إنشاء هذه المتاحف. أعود لنجيب محفوظ. وهكذا كان القرار بالإجماع. بإقامة متحف لنجيب محفوظ. مرت على هذا القرار عشر سنوات. ورغم مرور هذه السنوات فإن المتحف ما زال قيد الفكرة ولم يخرج إلى الدنيا. فما الذى جري؟.
بعد القرار بدأت رحلة البحث عن المكان. عرض علينا الوزير وكالة محمد بك أبو الدهب الموجودة فى ميدان الحسين. زرنا الوكالة على الواقع. ووافقنا عليها. إلا أن حملة صحفية قامت تهاجم الاختيار. على اعتبار أن الوكالة لها باب يطل على الباطنية المعروفة بأنها مكان لتجارة المخدرات. مما قد يوحى بظلال غير مستحبة. كانت الحملة مغرضة هدفها الخلاف والاختلاف مع الدولة المصرية. مهما يكن حجم الصواب فى ثوابت هذه الحملة أو تلك.
تم البحث عن أماكن بديلة. ذهبنا إلى قصر جميل فى شارع المعز لدين الله الفاطمي. كان مناسبا جدا. ولكن المشكلة أنه كان قد جرى تخصيصه لمتحف النسيج المصري. وصدر القرار. وستقيم المتحف الولايات المتحدة الأمريكية. كمنحة لا ترد مقدمة لمصر.
وذهبنا إلى مقعد ماماى وهو جزء باقٍ من قصر يطل على ميدان بيت القاضي. حيث ولد نجيب محفوظ. ولكن المقعد لم يكن يصلح لإقامة متحف فيه. لأنه كان مجرد شرفة لمبنى لم يعد موجودا. رغم أنه من ناحية المكان يعد المكان المثالى لإقامة متحف لنجيب محفوظ.
كانت هناك مبان جيدة ملك الآثار. ولكن كانت تسكنها عائلات. وإجلاء العائلات يتطلب تعويضات لا تقدر على دفعها الدولة المصرية. وهكذا عدنا مرة أخرى إلى وكالة محمد بك أبو الدهب. وعين توفيق صالح مديرا للمتحف.
وتبقى فصول الحكاية. وإن كنت أتمنى ألا يقول لى أحد: متحف؟! ما كل هذا الترف؟!