د. محمود خليل
الأصدقاء الألدَّاء للرئيس
ليسوا واحداً أو اثنين، بل هم كثيرون، هؤلاء الذين يصح وصفهم بالأصدقاء الألداء للرئيس. الأصوات الإعلامية هى الأعلى والأكثر صخباً داخل هذه الجوقة. لا يفهم هؤلاء أنهم يسيئون إلى الرئيس من حيث يريدون الإحسان، وقديماً قال الشاعر: «الحمق أعيا الطبيب المداويا». لعلك أدركت المناسبة التى تدفعنى إلى هذا الكلام. نعم إنه «استطلاع أحمد موسى». أحمد موسى نموذج على الأصدقاء الألداء للرئيس فى دنيا الإعلام، خرج «موسى» على حسابه على تويتر، وأجرى استطلاع رأى لاستكشاف معدلات تأييد عينة من جمهور «التواصل الاجتماعى» لترشح الرئيس لفترة ثانية. مؤكد أن أحداً لم يطلب من «موسى» ذلك، لكنه فعله متطوعاً، ونظراً لعدم درايته أو خبرته بموضوع استطلاعات الرأى، وانعزاله عن الشارع الذى يزعم أنه يعبر عنه، فقد خلق أزمة من غير لازمة!.
شعبية أى مسئول متأرجحة ما بين الصعود والهبوط، على سبيل المثال من يتابع استطلاعات الرأى العام الأمريكى حول اتجاهه نحو الرئيس أوباما طيلة السنوات الماضية، سيجد أنها متباينة، وغير ثابتة على وتيرة واحدة، والأمر نفسه ينطبق على نتائج الاستطلاعات التى تجرى حالياً حول شعبية «ترامب وكلينتون» المتنافسين على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. ويعد الظرف أو السياق الذى يتم إجراء الاستطلاع فيه عاملاً مهماً من العوامل التى تحسم نتيجته. ولست أدرى أين كان عقل «موسى» حين ورط نفسه وخلق هذه الأزمة، وهو يرى بأم عينيه أن الكثيرين غاضبون بسبب الزيادات المتواصلة فى الأسعار وتعقد الظروف المعيشية؟. وليس فى مقدور النسبة الغالبة من المصريين تقدير الظرف الاقتصادى الذى تمر به البلاد، الذى يفرض على السلطة اتخاذ قرارات قاسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فى أوضاعنا الاقتصادية المتردية. أكاد أراهن أننا لو أجرينا استطلاع رأى حول موقف الكثير من هؤلاء من موضوع الهجرة من مصر أو البقاء فيها، فستؤيد النسبة الغالبة الهجرة منها، ليس كراهية فى البلد، لأن كل مصرى يحب بلده، لكن غضباً من الظروف. وهذا الموقف يعبر عن إحساس مؤقت بالإحباط وليس اتجاهاً راسخاً. لقد اختار «موسى» التوقيت الخطأ والظرف الخطأ، فخرج بهذه النتيجة.
مسألة أخرى تستحق أن نتوقف أمامها فيما يتعلق بالاستطلاعات، وتتعلق بالعينة التى تعتمد عليها، فالعينة تحدد إلى حد ما اتجاهات النتائج، والعينة التى أجابت عن سؤال «موسى» جزء من مجتمع «التواصل الاجتماعى». وهذا المجتمع ليس كل مصر، نعم يمكن الحصول من خلال ما يسود «التواصل الاجتماعى» على مؤشرات حول التوجهات العامة، لكنها بحال لا ترقى إلى مرتبة النتائج العلمية التى يصح الاعتماد عليها.
واضح أن «موسى» لا يستوعب هذه الأمور وإلا لما سقط فى هذه الورطة التى أراد أن يخدم بها الرئيس، فإذا به يفعل العكس. ليت السلطة فى مصر تتفهم أن من ينتقدها، لا يفعل ذلك كرهاً فيها، بل محبة فى وطن تريد له الأفضل، وأن من يطبل لها ويرقص حولها ويُسمعها الكلام الذى تريده ضرره أكثر من نفعه. كان عمر بن الخطاب يقول «رحم الله امرأ أهدى إلىّ عيوبى».. تذكروا أنه: لا يدخل العقل فى أمر إلا «زانه»، ولا يسير الجهل فى ركب إلا «شانه»..!.