الأخبار
صبرى غنيم
أنت أفضل من رئيس الحكومة .. حتي ولو في جيبك جنيه
هذا العنوان هو مقولة لعملاق الصحافة في مصر أستاذنا المرحوم مصطفي أمين لأي صحفي مبتدئ.. وقد قالها لي في بداية الستينيات يوم أن انتقلت من مجلة » آخر ساعة»‬ للعمل في الجريدة اليومية »‬ الأخبار» بتعديل طفيف علي مرتبي بزيادته خمسة جنيهات علي المرتب الذي كنت أتقاضاه في »‬ آخر ساعة »‬ وكنت في الأصل متضررا منه.. وأذكر أن الذي عينني وحدد لي هذا الراتب الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل بصفته رئيس تحرير »‬ آخر ساعة »‬ ويومها سألت المرحوم الدكتور سيد أبو النجا وكان وقتها المدير العام والعضو المنتدب.. لماذا راتبي ١١ جنيها ولا يكون عشرة ولا ١٥.. فرد قائلا أن الأستاذ هيكل أراد أن يميزني عن زملائي الذين سيشملهم قرار التعيين بشريطة واحدة بسبب خبطة صحفية حققتها في »‬آخر ساعة »‬ وكنت قد انفردت بأول صور صحفية للرجل الذي كان يحكم مصر بقبضة حديدية، فقد كان السيد زكريا محيي الدين وزيرا للداخلية ورئيس المخابرات العامة ومن الصعب الانفراد منه بخبر فما بالك بتصويره في اليوم العائلي مع أسرته داخل بيته، وكان رحمه الله يعاملني نفس المعاملة التي يعامل بها ابن شقيقته طارق ابراهيم مخيمر والذي عرفني به ونحن ندرس في مدرسة فاروق الأول الثانوية.. الصور التي انفردت بها »‬ آخر ساعة »‬ تصدرت واحدة منها غلاف المجلة للسيد وزير داخلية مصر يرفع بين يديه ابنه محمد عندما كان طفلا.. بالمناسبة محمد هو الآن من الشخصيات السياسية البارزة وهو عضو في البرلمان عن دائرة العيلة كفر شكر.. لم أكن اعرف أن صور السيد زكريا محيي الدين علي أيامها سوف تحدث صدي عالميا إلا بعد النشر وعلي حد قول الدكتور أبو النجا أن الأستاذ هيكل كرمني بزيادة راتبي عن زملائي بجنيه واحد بعد هذه الخبطة الصحفية.. فهمت أن التعيينات التي بعدي ستكون بعشرة جنيهات وبالفعل شملت مجموعة من الزملاء من بينهم الإعلامي الكبير الموهوب حمدي قنديل اطال الله في عمره حيث كنا نعمل سويا في »‬ آخر ساعة »‬ في أواخر الخمسينيات وكان هو وقتها طالبا في كلية الطب.. أما أنا فقد كنت في سنة أولي صحافة..
.. وعندما اشتكيت للأستاذ مصطفي أمين عن ضعف مرتبي قال لي »‬ ياعزيزي.. انت أفضل من رئيس الحكومة حتي ولو كان في جيبك جنيه.. ويوم أن لا تملك هذا الجنيه تستطيع وأنت مفلس أن تجلس أمامه واضعا قدما علي قدم وأنت سعيد لأنك تحمل قلما تهتز له الحكومة».. وللحق علي أيامه فهمت قيمة القلم.. وأن الصحفي لا يضعف للمادة طالما يحترم قلمه الصحفي، وأحمد الله انني تتلمذت في مدرسة أخبار اليوم وعشت زمن العمالقة الذين علمونا قيمة القلم..
- وتمضي السنون وتتغير الأحوال وربما يحين طرح هذا السؤال: هل الأجور أيام ما كانت في زمن كاتبنا الكبير مصطفي أمين رحمه الله تصلح مع لائحة أجور الصحفيين الآن؟ هذا الكلام بمناسبة الحكم الذي صدر من القضاء الإداري بوضع الحد الأدني لأجور الصحفيين.. هذا الحكم كشف عن تدني أجور الصحفيين في زمن يحتاج فيه الصحفي أن تكفل له صحيفته ما يحفظ له كرامته.. لكن للأسف الصحف تجبر محرريها علي تسويق أنفسهم في الصحافة العربية وبين المحطات الفضائية فأصبح الانتماء للمهنة ضعيفا.. صحفيون كبار يديرون أعمال رجال أعمال وصحفيات يتولين العلاقات العامة والسكرتارية الخاصة حتي أصبح هناك خلط بين البيزنس وبين العمل الصحفي ومن خلال أصحاب هذه الأقلام بالعلاقات غير المشروعة اكتسب رجال البيزنس حصانة ضد النقد..
- أنا شخصيا أشفق علي نقيب الصحفيين الزميل الفاضل يحيي قلاش الذي ينفخ في قربة مقطوعة وهو يقاتل من أجل بقاء بدل التكنولوجيا الذي يصرف لأعضاء النقابة من الدولة.. »‬ هم يبكي.. وهم يضحك »‬ تصوروا رجل له قيمة صحفية في وزن النقيب يقاتل من أجل لائحة لأجور الصحفيين وبقاء بدل التكنولوجيا وكأنه سيغطي احتياجات الصحفيين..
.. والله عيب.. عيب أن ننتمي لهذه المهنة وزملاء وأبناء لنا في صحف قومية وغير قومية في قمة التفوق المهني مرتباتهم لا تغطي مصاريفهم الشهرية ومطلوب منهم أن يكون مظهرهم لائقا.. حتي باب الإعلانات أصبح مغلقا في وجه الزملاء الصحفيين فقد كان نافذة تساند صحفهم وتدر عائدا يساهم في تحسين أوضاعهم.. بعد ظاهرة التحقيقات التي شملت عددا من الزملاء من جانب جهاز الكسب غير المشروع عما حققوه من عائد من حصيلة العمولة في الإعلانات ومطالبة الجهاز لهم برد هذه المبالغ.. امتنع الجميع عن جلب إعلانات لصحفهم فأضيرت الصحف وأضير الصحفيون..
- هل رأيتم أزمة مثل هذه الأزمة.. وتقولوا عايزين صحافة..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف