ناجح ابراهيم
كامل حتة.. يحج بقلبه وقلمه
سطر الكاتب الإسلامى محمد كامل حتة تفاصيل رحلته للحج فى كتابه الرائع «لبيك» حيث لم يكتفِ فى كتابه بتسطير مشاهداته وانطباعاته الشخصية عن رحلته المباركة فحسب، ولكنه نقل انطباعات ومشاعر مَن رافقوه الرحلة، فضلاً عن استلهامه صوراً متنوعة من التاريخ الإسلامى مستعيداً ذكريات كل مكان مر به وأحياناً يسرد حوارات بين النبى الكريم وصحبه الأجلاء فى مثل هذه المَواطن.
يحكى «حتة» عن بداية رحلته للحج فيقول: «بينما أنا مستغرق فى تفكير عميق فإذا بمن يهاتفنى تليفونياً: أنت مدعو لأداء فريضة الحج هذا العام، فعجبت واندهشت قائلاً فى سرور: كيف.. ولم يبقَ على موعد الحج إلا بضعة أيام، قال: نعم، وإنك لرفيقى فى هذه الرحلة فجهز نفسك سريعاً».
استغرب «حتة» من الأمر كله ومن تيسير الحج لأمثاله، لم يجد لها تبريراً غير أنها دعوة إبراهيم الذى قال له ربه «عليك النداء وعلينا البلاغ».. أدرك «حتة» هذا اليوم أن روحه قد استجابت لهذا النداء العلوى العظيم قديماً من وراء الغيب البعيد.
شغل «حتة» نفسه بالرجوع لكتب الفقه والحديث والتفسير ليتحرى أحكام الحج حتى أجهد من كثرة الأقوال والآراء.
رجع لنفسه قائلاً: الحج فريضة تقوم على التجرد والبساطة، ولا يمكن أن يكون على هذه الصورة المعقدة التى يصورها كثير من الفقهاء والشرّاح، تذكر قول النبى الكريم لكل من سأله عن شىء يوم عرفة: «افعل ولا حرج».
تذكر يُسر الدين وكيف أننا نسير به فى دروب معقدة رغماً عنه، وكأننا نعقد ونصعب كل يسير ولا نختار الأيسر لأنفسنا وأهلينا وأمتنا حتى لو لم يكن فيه إثم.
لقد أدى «حتة» مناسك الحج والعمرة عدة مرات مستلهما ما صح عن النبى من أفعال وأقوال حتى تجمعت لديه من التجارب والخبرات العلمية والعملية ما جعله يسطر ذلك كله فى كتابه «لبيك».
ركب الطائرة، فإذا هو معلق بين السماء والأرض يذكر الله مرتدياً ملابس الإحرام التى حرص على ارتدائها من البيت خوفاً من فوات الميقات فجأة ولأن المطار وقتها لم يكن مهيأ للإحرام بشكل جيد، تصور نفسه لحظتها كملاك من الملائكة فى السماء الدنيا يترنم بالتسابيح فى معراج بين السماء والأرض.
هبطت الطائرة وهو يردد بقلبه ولسانه هتاف الإيمان العميق «لبيك اللهم لبيك» رغم يسر السفر بالطائرة عن الباخرة إلا أنه تمنى أن لو سافر على الباخرة ليكون استمتاعه بأشواق الرحلة أشمل وأعمق فى رحلته بالباخرة خلال 60 ساعة كاملة و«كأنك» تعيش فى محراب يمخر عباب البحر، فما من أحد من ركابها الحجاج إلا وتراه راكعاً أو ساجداً أو مستغفراً أو مهللاً مع كل خطوة تخطوها «لبيك اللهم لبيك».
مر «حتة» بمنطقة «بيعة الرضوان» فهاجت خواطره عندها ثم دخل عند البيت الحرام فغمرته نشوة قدسية فهتف مع غيره «الله أكبر»، وقف عند الكعبة المشرفة بعد أن ذكر الدعاء المأثور وقال لنفسه: «نعم.. هذه الكعبة يكتحل بمرآها ناظرى وتنتشى روحى ويخبت قلبى، إنه الرمز الخالد الذى تجتمع القلوب حوله من عهد إبراهيم (عليه السلام) إلى قيام الساعة، ولا تخلو ساعة من ليل أو نهار إلا وحولها طائف أو راكع أو ساجد، أصبح فى موجة الطواف كذرة متجردة هائمة فى ملأ ملائكى يضج بالتسبيح والدعاء».
رأى بعض الحجاج يأتون بقطع من القماش فيغسلونها فى ماء زمزم ثم ينشرونها على حصباء الحرم حتى تجف، سألهم عن ذلك، فقيل له: هذه أكفانهم يدخرونها ليوم الوفاة.. تأثر «حتة» بهذه القصة وبمعانيها العميقة.
لقد تجاوزت مؤلفات كامل حتة الإسلامية 25 مؤلفاً منذ الثلاثينات وحتى السبعينات من القرن الماضى، والرجل من أعلام الصعيد والصحافة، ومن أرباب القلم الذين غفلت عنهم الأجيال الشابة، وهو من فرسان جريدة «البعكوكة»، و«السندباد» فى الأربعينات، وكتب فى «الهلال» و«اللطائف» و«البلاغ» و«كوكب الشرق»، ثم «الجمهورية» و«صوت الأمة»، صرخة العرب وصوت قنا، رحم الله كامل حتة الذى عرّف الناس بحق معانى الحج.