الأخبار
محمد السيد عيد
علاج معظم مايعانيه المجتمع المصري من مشكلات يكمن في بناء الإنسان
يقول رفاعة الطهطاوي : إن بناء المدارس سهل، وبناء المصانع سهل، لكن بناء الإنسان هو الصعب العسير. ويقول علماء الاجتماع إن التنمية المادية للدول تتم عادة أسرع من التنمية المعنوية للإنسان، لهذا تحدث فجوة بين الجانب المادي والجانب المعنوي في المجتمع، وعلاج هذه الفجوة لايكون إلا بمراعاة أن تسير التنمية المادية والمعنوية معاً.
ونحن الآن نعيش مرحلة تنمية مادية جبارة، تسابق فيها الدولة الزمن، وشهدنا خلال العامين الماضيين مجموعة من المشروعات القومية الكبري : قناة السويس، شرق التفريعة، ستة أنفاق علي طول القناة، آلاف الكيلومترات من الطرق، عشرات الكباري، بدء استصلاح مليون ونصف مليون فدان، مواجهة العشوائيات، زيادة الطاقة الكهربائية، البدء في مشروع المفاعل النووي بالضبعة. ورغم اقتناعنا بأهمية هذه المشروعات إلا أن السؤال الذي نطرحه هو : هل نهتم ببناء الإنسان مثلما نهتم ببناء الكباري والمشروعات ؟.
بصراحة أري أن بناء الإنسان لايشهد اهتماماً يماثل الاهتمام بالبناء المادي، ويكفي أن ننظر لما يقدمه الإعلام وهو من أخطر وسائل بناء الإنسان ، إنه يقدم نموذج الأسطورة الذي يؤكد علي أن الطيبة لاتصلح في هذا المجتمع، والقانون لايحقق العدالة، والحل الوحيد هو أن تكون شريراً، وأن تأخذ حقك بيديك ؛ هذا طبعاً بالإضافة للعنف، والقتل، والخيانة الزوجية، والأمراض النفسية. فإذا انتقلنا للتربية والتعليم وجدنا ماهو أسوأ، فقد وصل المجتمع إلي الاقتناع بالخطأ والدفاع عنه، والتصدي لمن يحاول الإصلاح، وحسبنا أن نري ماحدث حين أعلن محافظ بورسعيد غلق مراكز الدروس الخصوصية. ناهيك عن غش الثانوية العامة.
إن علاج معظم مايعانيه المجتمع المصري من مشكلات يكمن في بناء الإنسان. وزير الزراعة الذي قبضوا عليه بتهمة الرشوة، ومساعد وزير الصحة الذي ضبطوه متلبساً، ولصوص منظومة القمح، وشاومينج الذي يغشش الثانوية العامة، ومافيا الدروس الخصوصية والكتب المدرسة، كل هذه المصائب مجرد نتائج لإهمالنا في بناء الإنسان. الإرهاب الذي نعاني منه، والفكر المتطرف، هما نتيجتان لإهمالنا في بناء الإنسان، والعلاج الوحيد لمعظم مشاكل المجتمع المصر هو بناء الإنسان.
ولو نظرنا للتاريخ لوجدنا أن قادة الثورات الوطنية الكبري يحرصون عادة علي بناء إنسان جديد، يحمل قيم الثورة، ويعلي قيمة العمل والبناء. وجمال عبد الناصر مثال حي لذلك. أنشأ عبد الناصر وزارة للثقافة، واهتم بالمسرح، والسينما، والغناء، وفي عهده ظهرت أكاديمية الفنون، ورُفع شعار كتاب كل ست ساعات. كما أنشأ وزارة الإرشاد القومي التي تحولت لوزارة الإعلام، واهتم بأن تكون هناك إذاعة تحمل صوت مصر للوطن العربي، وإذاعات موجهة للعالم الخارجي، وأنشأ التليفزيون، وشركات السينما، وحقق حلم مجانية التعليم، وأنشأ وزارة للشباب، ومنظمة للشباب، وطور الأزهر. أي أنه باختصار أوجد الوسائل الضرورية اللازمة لبناء الإنسان.
لكل ماسبق أقول: حان الوقت للاهتمام ببناء الإنسان، وأقترح إنشاء مجموعة وزارية تسمي»‬ مجموعة بناء الإنسان » تضم وزارات : التعليم، الإعلام، الثقافة، الشباب، الأوقاف، والتعليم العالي. وليتنا نستحدث منصب نائب رئيس وزراء لبناء الإنسان، يكون مسئولاً عن وضع استراتيجية لتحقيق هذا الهدف، والقيام بمتابعتها، والتنسيق بين الوزارات المعنية في كل مايتعلق بها. علي أن نهتم بصورة عاجلة بمرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، وببرامج الأطفال، والإنتاج الدرامي الموجه للأطفال والكبار، ومراجعة ألعاب الأطفال التي نستوردها بالمليارات لتعلم أولادنا العنف.. ليتنا نولي عناية لبناء الإنسان حتي نقدم لمصر المستقبل إنساناً قادراً علي حمل أمانة الوطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف