كلما تحدثتَ مع مسؤول، خصوصاً أعضاء الحكومة، سوف تكتشف أمراً غريباً، أو إجابة واحدة عن سؤال الساعة المتعلق بالمستقبل، وهى: والله لا أدرى إلى أين نسير، الأوضاع سيئة جداً، الأمور ليست على ما يرام. سوف تجد بكل بساطة أن ذلك المسؤول ليس مدركاً للأسف لما يجرى حوله، ليس مُلماً بتفاصيل الأشياء، أو هكذا يبدو، بما يشير إلى أن هذه ليست هى الحكومة مثلاً، أو أنها حكومة الظل، أو أن هناك حكومة أخرى فى الخفاء، أو أن هذا المسؤول أو ذاك ماهو إلا مُنفذ للتعليمات أو الأوامر، التى لا يعلم أحد من أين تصدر، أو ممن.
هناك نقمة أو عدم ارتياح، فى الصفوف الأولى، تم نقل هذا الشعور بطريقة أو بأخرى إلى المواطن أو رجل الشارع، لذا كانت تلك الحالة من الاستياء العام، التى عبرت عنها الاستطلاعات المتعلقة بإمكانية ترشح الرئيس لولاية ثانية من عدمه، بالتأكيد الأوضاع العامة كان لها الدور الأكبر، من حيث الأسعار وارتفاعها المتواصل، تردى الأوضاع الاقتصادية بصفة عامة، المرافق، الخدمات، إلى آخر كل ذلك، إلا أن العامل النفسى المتعلق بالتفاؤل، أو التشاؤم، أو المستقبل، كان له النصيب الأكبر فى ذلك الذى يجرى.
أسوأ ما فى أى إدارة أن يكون المسؤول، ليس هو المسؤول، أو المدير ليس هو الذى يدير، لن نستطيع فى هذه الحالة أن نمنع هذا المسؤول أو المدير من تسريب ذلك الخلط، أو هذه الحالة، إلى المجتمع أو وسائل الإعلام، فى الوقت نفسه لن نستطيع تقويم ذلك المسؤول أو المدير الخفى، الذى قد يكون مجرد ديكتاتور، ينطلق من فهم خاطئ للأشياء، وفى النهاية يظل المواطن طوال الوقت، يسدد تلك الفاتورة الكارثية، المتعلقة بتلك المساحة الشاسعة بين المسؤول الديكتاتور، والمسؤول الديكور.
فى أى مجتمع طبيعى، وبالتالى مع مسؤولين طبيعيين، سوف نجد المسؤول تلو الآخر، والوزير تلو الآخر، يدافعون بقوة عن سياسات وزاراتهم أو إداراتهم، أو سياسات الدولة بصفة عامة، سوف نجدهم يسعون إلى إقناع الناس بجدوى السياسات الجارية والخطط المستقبلية، ذلك لأنهم هم الذين وضعوها، لكن لأن فاقد الشىء لا يعطيه، كانت الأوضاع الجارية، بكل بساطة يتبرأ هذا الوزير أو ذاك مما يجرى، لستُ مسؤولاً عن ارتفاع الأسعار، لستُ مسؤولاً عن انهيار قيمة العُملة، لستُ مسؤولا عن كل هذه القروض الخارجية، لستُ مسؤولاً عن تسريب الامتحانات، حتى حينما يتعلق الأمر بأدق خصوصيات وصلاحيات هذه الوزارة أو تلك، سوف نجد أيضاً مثل هذه السلوكيات!.
من هنا أصبح المسؤولون يتهربون من مواجهة الناس، يتهربون من الوعود، ربما يتهربون من تحمل المسؤولية، منذ اليوم الأول فى مواقعهم تدور التكهنات حول إقالتهم أو الإطاحة بهم، هم إذن ليسوا مستقرين حتى يمكنهم إطلاق وعود بالاستقرار، أيضاً هم ليسوا الصف الأول الحقيقى حتى يمكننا الوثوق بهم، من هنا كانت الفجوة فى الوقت نفسه بين المسؤول والشارع، من هنا كان السخط العام، أو على الأقل ذلك التراجع السريع لحالة الرضا أو القبول، الذى أصبحت تسجله الاستطلاعات الداخلية والخارجية فى آن واحد.
بالتأكيد لا يمكن لأهل الخبرة الحقيقيين القبول بمثل تلك الأوضاع، القبول بوضع المسؤول الديكور، لذا كان الاعتماد فى مثل تلك الظروف دائماً وأبداً على أهل الثقة، الذين يمكنهم تنفيذ التعليمات أو الأوامر دون مناقشة، أو دون اعتراض، من هنا كانت الكوارث الحقيقية، أو الإخفاقات المتواصلة على كل المستويات، وعلى الجانب الآخر كان من الطبيعى أن نسمع صرخات أهل الخبرة، نرى اعتراضهم طوال الوقت على كل ذلك الذى يجرى، نرى الحلول أو الدراسات الموازية، التى قد تكون أكثر إقناعاً للرأى العام، وهو الأمر الذى ساهم بدوره فى اتساع الفجوة بين الشارع والسلطة التنفيذية.
أهل الخبرة أيها السادة، ما أكثرهم فى بلادنا، الكثير منهم تستعين بهم الأقطار المجاورة، حققوا هناك نجاحات مشهودا لها، إلا أنهم لدينا لا ينجحون أبداً، الأسباب فى ذلك واضحة، هناك أيضاً الكثير ممن مازالوا داخل البلاد، لم يغادروها، إلا أنهم لم يحصلوا على الفرصة، والأسباب أيضاً فى ذلك واضحة، نظرية الحكومة الخفية لن تروق أبداً لأى صاحب فكر، نظرية التهميش لن تتوافق مع أى صاحب رؤية، وهو ما يوجب إعادة النظر فى الأوضاع ككل.
كان يجب أن نتوقف مبكراً أمام السؤال المهم: لماذا تخلفنا وتقدم الآخرون، لماذا فشلنا ونجح الآخرون، لماذا نحن مستمرون فى الفشل، الآخرون يدركون أهمية وحجم ثرواتنا التى ننكرها نحن، إلا أننا آثرنا العمل طوال الوقت من خلال منظومة غريبة، لا تستند إلى أى قواعد علمية، أو أى مبادئ منطقية، وعلى الرغم من أن الأوضاع آخذة فى التراجع، إلا أننا لا نريد أن نحيد عنها، ولا نسعى إلى ذلك، لتظل نظرية الديكتاتور والديكور هى الفاعل الحقيقى فى حركة المجتمع، أقصد فى وقف حركة المجتمع.