فى معركة محو الهوية المصرية لم يقتصر الاختراق على المهاجرين الذين سعوا لطلب الرزق فى بلاد النفط منذ منتصف السبعينيات، لكن الإعلام المصرى والثقافة المصرية كانا هدفين أساسيين.. ومن أجل هذا الغرض تم افتتاح عشرات المكاتب الصحفية التى قامت بتشغيل واستكتاب معظم الصحفيين والكتاب المصريين، وبعضهم كان يقبض دون أن يكتب، أو بمعنى أصح، مقابل ألا يكتب! فارتبطت لقمة عيشهم وبحبوحة حياتهم بالترويج للفكر الجديد، أو على الأقل تم تحييد الأقلام التى كانت مرشحة للتصدى له. ونفس الشىء حدث فى الإذاعة والتليفزيون، حيث تم شراء معظم القيادات، إما بتشغيلهم أو تشغيل أبنائهم ودفع مبالغ باهظة لبعض رؤساء القطاعات مقابل أعمال تافهة أو سيناريوهات لا تساوى شيئا، وقام البعض بمهمة توفيق الرؤوس بين أمراء الإعلام وبعض الحسناوات مقابل سيارات مرسيدس، وأصبح الرقيب الخليجى ومحاذيره نصب عين القائمين على الإنتاج الدرامى، لدرجة أن كلمة «أمير»، التى نستخدمها إشارة إلى الإنسان الطيب، أصبح استخدامها مُحرما بتعليمات الرقابة النفطية!.. وامتلأ الفضاء بعشرات القنوات تقدم ألوانا من الخلاعة جمعوا لها الشباب المخنث والغوانى ليصيروا نجوما وقدوة للشباب.. ومن عجب أن قنوات الأفلام التى قام أصحابها بشراء التراث الفنى المصرى صارت تملك الأفلام التى لا نستطيع إذاعتها دون إذن منها وتقدمها على مدار الساعة.. من عجب أن أصحاب هذه القنوات هم أمراء وشيوخ تحرم بلدانهم التمثيل والغناء وكل أنواع الفنون، ولا توجد ببلادهم دور عرض سينمائية أو مسرحية لأن الفن حرام!.
ونفس هؤلاء الأمراء الذين ينشرون الأُنس والمرح والصخب والمجون التليفزيونى يقدمون فى الوقت ذاته عشرات القنوات الدينية جنبا إلى جنب مع قنوات «بوس الواوا»، حيث يمكن للمرء بعد أن يبوس الواوا أن يستغفر الله مع فضيلة الداعية فى درس عن حرمة الفن!.
وبالرغم من خطورة كل ما سلف، إلا أنه يجب ألا ينسينا أنه على الجانب الآخر من الكرة الأرضية توجد أجندة أخرى تأخذ مصر فى الاعتبار، لكنها تختلف عن أجندة بلاد النفط، وهى الأجندة الأمريكية (رغم قول البعض إن مخططات أمراء النفط لتقزيم مصر هى بالأساس أجندة أمريكية)، لكن الوضع قد تغير بعد زلزال الحادى عشر من سبتمبر، فإذا بالإسلام الوهابى الذى تعامل معه الأمريكان طويلا على أنه دين حليف يقبل أهله بما تريد أمريكا ويحارب معها معاركها ضد الكفرة والملاحدة، سواء فى مصر الناصرية أو أفغانستان!.. إذا بهذا الإسلام يصبح مصدرا للهلع، ويصبح تذويبه خطوة بخطوة هدفا استراتيجيا. لهذا أصبحنا نعيش فى مصر تحت مظلة الصورة الكارتونية التالية: أفكار وهابية قدمت من الشرق يبشر بها طابور من الأرزقية فى الإذاعة والتليفزيون والصحافة ودور النشر والمساجد وداخل الميكروباصات.. ثم أستيكة أمريكية تمر فوق كل هذا لمحاولة محوه، مع وضع المناهج الدراسية للتلاميذ بمعرفة خبراء أمريكان يقومون بحذف الآيات القرآنية غير المرغوب فيها ويسيطرون على وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف ووزارة التعليم ويحاولون جعل الأزهر مجرد إدارة لإصدار الفتاوى التى تحرم الجهاد ومقاومة المحتل فى فلسطين والعراق.
الخلاف الوهابى الأمريكى على أرض مصر نتيجته فى كل الأحوال: هزيمة مصر!