المساء
مؤمن الهباء
ثورة الطموحات
بشرتنا مانشيتات الصحف بالإعلان قريباً عن أضخم كشف بترولي في الصحراء الغربية.. أفصح عن ذلك المهندس طارق الملا. وزير البترول. خلال جولته التفقدية في أحد المواقع البترولية بالإسكندرية السبت الماضي.
عندما وقعت عيني علي المانشيت "البُشرَي" انفرجت أساريري.. قلت الحمد لله.. أخيراً سيكون لدينا أضخم كشف بترولي.. يبدو أن النبوءات القديمة بتحول مصر إلي دولة مصدرة للبترول. سوف تتحقق.. وسننضم قريباً إلي قائمة ملوك النفط.. أكيد سوف تتغير أحوالنا.. وسيجعل الله بعد عسرنا يسراً.
المهم أن ينعكس هذا الأمل الجديد. وهذه البشري علي حياتنا.. وأن نخرج من عنق الزجاجة التي انحشرنا فيها منذ زمن طويل.. ليس معقولاً أن نسمع عن اكتشافات حقول هائلة للغاز الطبيعي.. وأكبر احتياطي للذهب.. ثم أضخم كشف بترولي.. وتظل حياتنا بعد ذلك في هذا الضنك.. بلا أدني تغيير.
لقد عانينا من حر رهيب في هذا الصيف.. يشبه إلي حد كبير حر دول الخليج.. وقبله عانينا من برد شديد في الشتاء الماضي.. يشبه إلي حد كبير برد أوروبا.. وتحول مناخنا إلي حر خليجي صيفاً. وبرد أوروبي شتاءً.. لكننا رغم ذلك لم نذق بعد طعم الرفاهية. التي يتمتع بها أشقاؤنا في الخليج.. ولا الرفاهية التي يتمتع بها أصدقاؤنا في أوروبا.. نحن كما نحن.. المواطن المصري يعاني.. والجنيه المصري يعاني!!
مازال البترودولار. حُلماً بعيداً.. واليورو أيضاً مازال حُلماً بعيداً.. لكننا لن نمل من أن ندعو الله سبحانه وتعالي. أن نعيش ويمتد بنا العمر. حتي نري عائدات اكتشافات الغاز. واكتشافات البترول. ومناجم الذهب. التي بنينا عليها آمالاً عريضة.. وليس ذلك علي الله بعزيز.
لكن.. يجب أن ننبه إلي أن الإعلانات المسبقة والمتسرعة عن مثل هذه الاكتشافات من شأنها أن تخلق لدي المواطنين ثورة تطلعات وطموحات.. ربما تفوق الواقع وتتجاوزه لتحلق في الفضاء.. أو في الخيال.. هناك مَن حلموا بأن يعيشوا عيشة إخواننا في الخليج.. ولِمَ لا؟!.. ألسنا نعيش حر الخليج؟!.. وعما قريب سيكون لدينا بترول مثل بترول الخليج؟!.. لماذا يأتينا الحر. ولا يأتينا البترودولار؟!!
ومثلما نعرف جميعاً.. ليس من السهل أن يتحول الحلم إلي حقيقة.. ما بين الحلم والواقع مسافات ومشقات وعقبات.. وعندما لا تجد الشعوب أحلامها وتطلعاتها قد تحققت. تنقلب الطموحات والتطلعات إلي إحباط كبير.. إحباط يعبر عن نفسه في حالة الغضب المكتوم. واللامبالاة.. والانسحاب إلي الداخل.
لذلك.. يجب أن يكون الطموح حقيقياً.. والحلم علي قدر الإمكانيات.. وأن تكون البشري في نطاق المسئولية.. بحيث إذا لم تتحول إلي واقع يُساءَل مَن أطلقها.. ومَن وعد الناس. ورفع من سقف تطلعاتهم.
وحتي لا تأتي البُشرَيات بنتائج عكسية. يجب أن تكون مرتبطة ببيانات ومعلومات محددة وتواريخ محددة.. ولا تأتي مجرد كلمة عابرة لتُدغدغ مشاعر الجماهير.. وتمنيهم علي غير أساس.. وتحيلهم إلي المستقبل المفتوح.. حتي يغادر الوزير أو المسئول موقعه.. ويبقي الشعب علي حاله.. ثم يأتي وزير آخر فيقدم الوعود والطموحات.. ويرفع سقف التطلعات حتي يترك منصبه. ويبقي الشعب علي حاله.. مرات ومرات ومرات.
سامحونا.. مازلنا نتعلق بحبال الأمل.. ومازلنا نصدق مانشيتات البُشرَي.. ومازالت الكلمة عندنا لها معني ومسئولية.. وليست مجرد دخان في الهواء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف