شاهدت الفيلم الأمريكى «Focus» فوجدت نفسى فى كل لحظة أتحسس ملابسى، حتى أتأكد أن الموبايل لا يزال فى جيبى. الفيلم لعب بطولته ويل سميث ومارجوت روبى، وهدفه هو أن يضحكك وأنت تشاهد عالم اللصوص بكل تفاصيله، الأمر ليس مجرد «اخطف الشنطة واجرى»، كل شىء خاضع للدقة، وتستند الدراما إلى المنطق العلمى وسيكولوجية السارق والمسروق، واللعب على درجة التركيز، ودراسة تأثير المكان، وما تفرضه اللحظة على كل الأطراف، حتى عندما تتوجه طلقة رصاص قرب النهاية إلى البطل وتنفذ من جسده من الناحية اليسرى، يوضح الفيلم كيف أن الطلقة اخترقت الرئة لا القلب، والتصويب ليس عشوائيا، والضحك أيضا ليس عشوائيا، فهو قائم على تيمة «كله بيشتغل على كله».
هذه التيمة من الممكن أن تجد لها مردودا فى الفيلم المصرى «زنقة الستات» مع فارق جوهرى، وهو أن الفيلم الأمريكى يجعلك من فرط صدقه تتحسس جيبك كل دقيقة، خوفا من أن تُسرق مثلما يحدث أمامك فى الفيلم، بينما الفيلم المصرى يغادر مشاعرك سريعا بمجرد مغادرة دار العرض، كأن شيئا أو فيلما لم يكن.
أعترف لكم بأننا نذهب إلى الفيلم المصرى بسقف محدود من الطموح، ونقيس الفيلم الكوميدى من خلال ترمومتر مؤشره الأعلى هو درجة.. يادوبك! هكذا رأيت «زنقة الستات»، ضحكت فى عدد من المواقف القائمة على نظرية «ضع ممثلا فى مغامرات نسائية متعددة وانتظر النتائج»، وكان الجمهور على الموجة. السيناريو الذى كتبه كريم فهمى وهشام ماجد، يضع شابًّا وسيمًا فى جحيم من القُبلات، وكمِّل إنت بقى! على الميمنة والميسرة مجموعة من النساء الجميلات. وهكذا رأينا حسن الرداد الحاصل على بكالوريوس الطب، ولكنه يرفض العمل مع أبيه الطبيب النفسى، ويحترف التزوير، كما أنه يتلاعب بمشاعر زبائن أبيه من النساء الجميلات، يعرف تفاصيلهن ويبدأ فى مطاردتهن، على الجانب الآخر الرداد يفعل كل شىء، وينتحل ما تيسر من الشخصيات. ليس هناك منطق درامى، ولا حتى محاولة لخلق مواقف كوميدية طازجة، كما أن لدينا مخرجًا شابًّا «خالد الحلفاوى» فى أول تجربة له، يستسلم فكريًّا لما يريده السوق، ولكنه تكنيكيًّا يتمتع بحس كوميدى وقدرة على ضبط الإيقاع، مما يؤهله إلى منطقة أبعد.
حسن الرداد لديه رغبة عميقة فى اقتحام دائرة الكوميديا، وأن يصبح نجمًا له جمهور يقطع التذكرة، كنت أراه فى عديد من تجاربه السابقة «كوميديانًا» بالعافية، فهو محشور فى العمل الفنى مثل «نظرية عمتى» و«جوازة ميرى» و«الآنسة مامى»، البطلة ياسمين عبد العزيز تتصدر الأفيش، وهو عليه أن يمهد ضحكة أو يسرق ضحكة، وكان كثيرا ما يخفق فى تحقيق الهدفين. بدايات حسن كانت توحى بمشروع «جان» فى أفلام مثل «احكى يا شهرزاد» مع يسرى نصر الله.
هذه المرة كانت الظروف مهيَّأة ليقترب أكثر من الجمهور ولم يقف الرداد بمفرده كانت معه إيمى سمير غانم، التى تقدم نفس الشخصية، الفتاة التى تتطلع إلى الزواج من شاب لا يفكر فيها. إيمى تملك حضورا لافتًا وخفة ظل، ولكن عليها أن تقفز فوق سور التنميط. أعجبتنى أيتن عامر، قدمت دور الفتاة المحجبة غير المتزمتة بقدر من الجدية، فكانت هى طريقها الناعم إلى الكوميديا، بينما نسرين أمين التى كانت قد حققت خطوات بعد مسلسل «سجن النسا»، رأيتها هذه المرة تبالغ على المستويين الشكلى والحركى، فكانت خارج الخط، بينما مى سليم هى مى سليم قبل وبعد هذا الدور.
أعترف لكم بأن سقف الطموح المحدود لا يصنع سينما، ولكن علينا أن ننظر إلى نصف، بلاش نصف، خليها رشفة الكوب الملآنة، ومن خلالها تستطيع أن تقول إن لدينا مشروع مخرج يستحق أن نترقبه فى أعمال قادمة، ولدينا شروع فى تقديم كوميديان له شباك تذاكر!!