محمد ابو الفضل
عن مثلث الإرهاب والأزهر والثقافة
الردود العنيفة التى خرجت من مؤسسة الأزهر على اتهام وجهه وزير الثقافة، بشأن مسئولية التعليم الأزهرى عن انتشار
العنف، كشفت عن رغبة للتنصل من دور كان من المفروض أن تقوم به الوزارة والمشيخة لمحاربة التطرف، عبر رؤية متكاملة.
صحيح نفى أو تراجع الوزير حلمى النمنم عما نقل على لسانه، وتوارت العاصفة مؤقتا، لكن ذلك لم يلغ أن هناك إخفاقا مشتركا، فلا مؤسسة الأزهر قامت بالدور المنتظر منها فى محاربة تيار المتشددين، ونشر الفكر الوسطي، ولا وزارة الثقافة بذلت جهدا حقيقيا للإعلاء من قيمة التنوير.
السحابة التى مرت قبل أيام، أكدت نقطتين، الأولى وجود تربص واستنفار بين عدد من مؤسسات الدولة، وعدم القدرة على التنسيق والتعاون بصورة إيجابية، ومحاولة التخلى بأى شكل عن الدور المتوقع من كل جهاز، بصرف النظر عن النتائج المجتمعية السلبية المترتبة على هذا السلوك، ما يعزز قناعات تتزايد يوما بعد يوم أن الجهاز الإدارى فى الدولة يعمل كجزر منعزلة فى مجالات خطيرة.
النقطة الثانية، تتعلق بعدم الاهتمام بما يدور داخل المجتمع، من انتشار الخرافة والتطرف، والتنازل طواعية عن الدور الحضارى لمصر، فلم يبذل كثير من المسئولين جهدا لمواجهة الخزعبلات التى أصبحت تنخر فى قاع المجتمع، وربما شريحة أعلى من ذلك، والسعى لمواجهة الأفكار المريضة، والتمهيد لدور قيادى ترغب فيه مصر، يعيد إليها مكانتها الثقافية التى تتآكل، بفعل تصرفات خاطئة، وحسابات قصيرة النظر، وأهداف شخصية ضيقة.
فى وقت قامت فيه الأجهزة الأمنية (عسكرية وشرطية) بدور معتبر لمكافحة الإرهاب فى سيناء وغيرها واقتلاعه من جذوره المسلحة، أخفقت وزارة الثقافة فى القيام بمهمتها الرئيسية، فى نشر الوعى بين عموم المصريين، وفشلت فى استثمار الإمكانات المتوافرة لها، لجذب فئات مختلفة من المواطنين إلى برامجها، وقطع الطريق على الجماعات التى تنخر فى جسد المجتمع، واستثمار الحالة السيئة التى أضحى عليها تيار عريض من المتطرفين، وبدا تقاعسها كأنه تهيئة جديدة لتربة ترعرعت فيها من قبل عناصر هذا التيار. كما تفرغت مؤسسة الأزهر للمعارك التى تدور حولها، عن قصد أو بدونه، وتركز همها على تأكيد السيطرة والهيمنة على الشئون الدينية، وهذا حقها، وفقا للدستور، لكن ليس من حقها أن تتجاهل الدور الإستراتيجى الذى يجب أن تقوم به، والخاص بنشر الوسطية والاعتدال، ومقاومة الأفكار الشاذة، التى ينثر بذورها متشددون، مستفيدون مما يمكن وصفه بـ الاستهتار فى مواجهة خفافيش الظلام الذين يريدون تغيير الوجه المدنى للدولة، وتوظيف الفراغ الناجم عن عدم قيام كل جهة بدورها الوطنى كما يجب، والتراخى فى التصدى لأصحاب الأفكار المنحرفة.
المؤكد أن الإنجازات التى تحققت على الأرض بنزع جزء معتبر من الأسلحة المادية بحوزة الإرهابيين، لن تتمخض عنها نتائج ملموسة على الأرض، ما لم يتم بتر الجانب المعنوى تماما، الذى يتغذى عليه أنصار هؤلاء، حيث يقومون باستغلال البيئة التى تعانى أزمات اجتماعية واقتصادية، ناهيك عن الخواء الثقافي، وكلها عوامل تساعد على مزيد من انتشار وتمدد العنف.
ربما تكون التراشقات التى تعالى صوتها الأسبوع الماضي، على إثر تصريح (نفاه) وزير الثقافة، كشفت عن عداء مزمن بينهما، حال دون التعاون حول التوصل إلى آليات متناغمة لمكافحة الإرهاب، مع أن القيادة السياسية فى الدولة دأبت على طلب القيام بهذا الدور عبر دور ثقافى تنويري، وناشدت الأزهر النجاح فى مهمته بشأن تجديد الخطاب الديني، باعتباره المدخل الأساسى لاقتلاع دابر الإرهاب وتطويق الأدوات التى تسهل دور الإرهابيين.
أما التفرغ لحرب تكسير العظام، واستغلال كل شاردة أو واردة لنيل كل طرف من الآخر، واتهامه بمسئوليته عما وصلت إليه البلاد، فكريا وثقافيا، فلن يكون مفيدا، بل يعطل التوجه نحو الإصلاح، ويفتح مجالا خصبا للانخراط فى مشكلات وقضايا تبعدنا عن المعركة الفعلية، وهى معركة تطوير البيئة الثقافية، وتعميم التنوير من خلال القيام بجهود مقنعة، تجذب الناس إليها، وتنزع الأسلحة الاجتماعية التى تعتبر الرافد الحقيقى الذى يمول جماعات الإرهاب بالعناصر المحبطة. ولأن المعركة طويلة وممتدة، ولن تكفى معها الأدوات الأمنية فقط، فمن المنطقى أن يتم التخلص من الخلافات التى تراكمت خلال السنوات الماضية، والتى تطفو على السطح مع كل اختبار أو احتكاك، صريح أو ضمني، بين مؤسسة الأزهر، والمؤسسة الثقافية بمعناها الواسع، والتى تضم الوزارة بهيئاتها وقطاعا عريضا من المثقفين والمفكرين.
ولعل قضايا الحسبة وازدراء الأديان التى تزايدت فى الآونة الأخيرة، ضد كتاب وأدباء ومثقفين، تعزز خطورة استمرار الصدام، وتستوجب التوقف عن ممارسة الاستعلاء المتبادل، والتعامل مع المسألة برؤية وطنية، تراعى مصالح الأمن القومي.
ليس مهما من يربح الخناقة الحارة أو من يعتذر لمن، لكن من المهم التكاتف لمنع مزيد من تغول الإرهاب، الذى تتجاوز تصرفاته الحدود المحلية، حتى أصبح يهدد كثيرا من دول المنطقة، لذلك فإن نقطة الانطلاق المركزية، تكمن فى وضع تصورات مشتركة بين الأزهر والجماعة الثقافية، لمكافحة الشبح الذى يضرب فى مجالات كثيرة، أشدها خطورة أنه تحول إلى سلاح بأيدى آخرين، يحاولون من خلاله ضربنا فى مقتل.