جمال زهران
الشائعات بين إعاقة المسيرة ..وضرورات المواجهة
أحد التعريفات المهمة للشائعة للمفكر (تشارلز أناندال)، أنها عبارة عن رواية تتناقلها الأفواه، دون أن ترتكز على
مصدر موثوق به، يؤكد صحتها، نقلا عن د.محمد طلعت عيسى فى كتبه المهمة بعنوان: «الشائعات وكيف نواجهها» عام 1964
وإذا دققنا فى الأمر، لوجدنا أن الشائعة وسط الفيضان الإعلامى وشبكات التواصل الاجتماعى الحديث، تنتشر وسط الناس كانتشار النار فى الهشيم. وأضحى الأمر من الأهمية الوقوف عنده بوضوح، لأن الشائعة لم تعد مجرد كلمات حول موضوع لا أصل له فحسب، بل أصبحت هناك ماكينات لنشر المعلومات الكاذبة والخادعة كأنها حقيقة سرعان ما تتحول فى الذهنية البشرية إلى ثوابت ضد شخص أو حتى بلد، فتترسخ وتصبح قاعدة لمعلومات أخرى مغلوطة، لنصبح أمام عمارة أو مبنى كامل الطوابق مكون من أدوار أكاذيب ومخادعات. فالشائعة أداة للتعبير عن الرأى العام المكبوت، تطلق لتصل إلى المعنيين بالأمر، للتأثير فى سياسات أو توجهات معينة أو فى أشخاص، وسط التضييق الإعلامي، أو السياسي، وفى النظم المقيدة فى فترات انتقالية أو غيرها، ونتيجة الفراغ السياسى الذى يسود فى فترة معينة، تجد الشائعات طريقها فى تكوين رأى عام ضد أو مع شىء محدد، وتكون النتيجة هى صعوبة تغيير ما ترسخ فى الذهن أو الوجدان. وقد كانت الشائعات تطلق من قبل بتلقائية وكردود أفعال محدودة، إلا أن الملاحظ الآن أن هناك مخططات للشائعات، حيث يتحدد موضوع الشائعة، وزمن الإطلاق، والمناخ المناسب حتى تجد فرصتها فى الانتشار بهدف تشكيل الضغوط أو التشارك الاجبارى فى السياسات أيا كانت الدرجة.وقد لاحظت من واقع متابعتى لما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي، أن الشائعات تبث ومن خلال مواقع معينة وتخاطب البسطاء ومتوسطى الحالة التعليمية وبأساليب مغلفة، تستهدف استقطاب الشباب الغاضب من النظام، والذى يعانى الحسرة على ما آلت إليه الثورتان من مكاسب هزيلة، والذى لم يجد الفرص الحقيقية لاحتوائه، بل يرى خداعا وسرابا حسبما ينشرون، وتجد هذه الشائعات أو تلك طريقا سهلا وسط هؤلاء الذين يساعدون على نشرها، وإعادة «تشييرها» وهؤلاء بالملايين. المسألة جد خطيرة، وإلا ما لفتت نظري، واضطررت إلى الكتابة عنها وإعطائها أولوية عن موضوعات أخري. فالهدف من نشر الشائعات بهذه الكيفية هو إشاعة البلبلة وعدم الثقة لخلق حالة عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذى يعوق مسيرة ما بعد الثورتين، ويستلزم المواجهة الحقيقية الشاملة وبداية أرى ما يلي:
1 - إن الحكومة هى السبب الرئيسى وراء نمو الشائعات، حيث إن تكوينها بما تضمه من رموز مبارك القديمة كان أحد أهم الأسباب لإطلاق الشائعات وأن القوانين المتتالية لحماية الفساد مثل إلغاء حق الطعن على العقود الحكومية للشعب، والتضارب فى تصريحات المسئولين فى الحكومة وعدم الرد المستمر على ما ينشر أو يذاع وإهمال ذلك، يصب فى دعم وانتشار الشائعات. 2 - إن عدم تحديد العدو الرئيسى للدولة وللشعب، وتبصير الشعب بهم دائما حال دون المواجهة الشعبية للشائعات، فالملاحظ أن رموز الدولة الرسمية يتحدثون فى أمور متناقضة «تصالح مع الإخوان من عدمه، تصالح مع مبارك ورموز الفساد من عدمه« فضلا عن التناقض فى الأفعال والتصريحات، يعطى مناخا مولدا للشائعات ومساعدا على الانتشار ويخلق الضبابية، والمناخ الرمادي، وهذه هى التربة الخصبة لماكينات الشائعات ومن وراءها، ولا يكتفى فى هذا السياق أن نقول إن هناك محورا للشر، وأعداء لمصر دون تحديد أو تبصير للرأى العام.
3 - إن بعض السياسات المتبعة تعيد إنتاج نظام مبارك الأمر الذى يعطى انطباعا باجهاض ثورتى 25 يناير، 30 يونيو، اللتين قامتا من أجل الحرية والعيش والكرامة، وما وجد الناس ذلك عمليا. ولاشك أن ذلك يعطى أسبابا قوية لماكينة الشائعات، ويصعب من أمر المواجهة.
4 - إن الاعتماد على الثقة الشعبية المفرطة فى شخص الرئيس، كآلية لمواجهة الشائعات باعتبار أن كل ما يقوله مصدق، دون وسائط سياسية يذكى نشر الشائعات ولا يقلل منها أو يواجهها.
5- إن الإعلام الرسمى يقصر فى حق الشعب ويساعد على نشر الشائعات عندما يصر القادة فيه، على إتاحة الفرصة فقط للمؤيدين دون المعارضين للسياسات الحالية، بل ومطالبة المذيعين بأن يكونوا مؤيدين بدلا من أن يكونوا موضوعيين، بحيث يأتى التأييد والمعارضة من الضيوف وعدم إتاحة فرصة لرموز الثورتين بالوجود فى أجهزة الإعلام وخصوصا التليفزيون، يساعد على ترسيخ معان معينة لدى الجمهور، فيزيف وعيهم، ويساعد على دعم الشائعات فى المقابل. - لاشك أن الأسباب كثيرة لتوليد ونشر الشائعات المخططة، وأن المواجهة العلمية المخططة هى الحل بإعلام قوى يتيح الفرصة للجميع ويستعيد الرموز محل ثقة المجتمع والجماهير، وحكومة شفافة، وسياسات واضحة وغير ذلك مما يستلزم حديثا قادما، وذلك هو السبيل للمجابهة الشاملة للشائعات لينهض هذا الوطن ويتحرك للأمام... ومازال الحوار متصلا..